والخلاف إنما هو فيمن قطع بفسقه، فكان مندرجا تحت عموم الآية. غير أنا خالفناه فيمن كان فسقه مظنونا، وما نحن فيه مقطوع بفسقه، فلا يكون في معنى صورة المخالفة.
وأيضا قوله تعالى: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (53) النجم: 28) غير أنا خالفناه في خبر من ظهرت عدالته، وفيمن كان فسقه مظنونا، فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل.
وأما المعقول، فهو أن القول بقبول خبره يستدعي دليلا، والأصل عدمه.
فإن قيل: بيان وجود الدليل النص، والاجماع، والقياس:
أما النص فقوله، صلى الله عليه وسلم: إنما أحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر والفاسق فيما نحن فيه محترز عن الكذب، متدين بتحريمه، فكان صدقه في خبره ظاهرا، فكان مندرجا تحت عموم الخبر.
وأما الاجماع، فهو أن عليا، عليه السلام، والصحابة قبلوا أقوال قتلة عثمان والخوارج مع فسقهم، ولم ينكر ذلك منكر: فكان ذلك إجماعا.
وأما القياس فهو أن الظن بصدقه موجود. فكان واجب القبول مبالغة في تحصيل مقصوده قياسا على العدل والمظنون فسقه والجواب: عن الخبر ما سبق في المسألة التي قبلها.
وعن الاجماع: أنا لا نسلم أن كل من قبل شهادة الخوارج وقتلة عثمان كانوا يعتقدون فسقهم، فإن الخوارج من جملة المسلمين والصحابة، ولم يكونوا معتقدين فسق أنفسهم.
ومع عدم اعتقاد الجميع لفسقهم، وإن قبلوا شهادتهم، فلا يتحقق انعقاد الاجماع على قبول خبر الفاسق.
وعن القياس بالفرق في الأصول المستشهد بها.
أما في العدل فلظهور عدالته واستحقاقه لمنصب الشهادة والرواية. وذلك يناسب قبوله إعظاما له وإجلالا بخلاف الفاسق.
وأما في مظنون الفسق فلان حاله في استحقاق منصب الشهادة والرواية أقرب من حال من كان فسقه مقطوعا به فلا يلزم من القبول ثم القبول ههنا.