ومن الناس من قال إنه يكون حجة في أقل الجمع، ولا يكون حجة فيما زاد على ذلك. واتفق الكل على أن العام، لو خص تخصيصا مجملا، فإنه لا يبقى حجة، كما لو قال اقتلوا المشركين إلا بعضهم.
والمختار صحة الاحتجاج به فيما وراء صور التخصيص وقد احتج بعض الأصحاب على ذلك بأن قال: اللفظ العام كان متناولا للكل بالاجماع، فكونه حجة في كل قسم من أقسام ذلك الكل إما أن يكون موقوفا على كونه حجة في القسم الآخر، أو على كونه حجة في الكل، أو لا يتوقف على واحد منهما:
فإن كان الأول، فهو باطل، لأنه إن كان كونه حجة في كل واحد من الأقسام مشروطا بكونه حجة في القسم الآخر فهو دور ممتنع، وإن كان كونه حجة في بعض الأقسام مشروطا بكونه حجة في قسم آخر، ولا عكس، فكونه حجة في ذلك القسم الآخر يبقى بدون كونه حجة في القسم المشروط وليس بعض الأقسام بذلك أولى من البعض مع تساوي نسبة اللفظ العام إلى كل أقسامه.
وإن كان الثاني، فهو أيضا باطل لان كونه حجة في الكل يتوقف على كونه حجة في كل واحد من تلك الأقسام، لان الكل لا يتحقق إلا عند تحقق جميع الافراد، وذلك أيضا دور ممتنع. وإذا بطل القسمان، ثبت كونه حجة في كل واحد من الأقسام من غير توقف على كونه حجة في القسم الآخر، ولا على الكل، ثبت كونه حجة في البعض المستبقى، وإن لم يبق حجة في غيره. وهذه الحجة مع طولها ضعيفة جدا، إذ لقائل أن يقول: ما المانع من صحة توقف الاحتجاج به في كل واحد من الأقسام على الآخر، أو على الكل مع التعاكس.
قوله: إنه دور ممتنع متى يكون ذلك ممتنعا إذا كان التوقف توقف معية أو توقف تقدم؟ الأول ممنوع، والثاني مسلم. ولكن لم قلت بأن التوقف هاهنا بجهة التقدم. ولا يخفى أن بيان ذلك مما لا سبيل إليه.