وأما المعقول فهو أن العام قبل التخصيص حجة في كل واحد من أقسامه إجماعا. والأصل بقاء ما كان قبل التخصيص بعده إلا أن يوجد له معارض. والأصل عدمه.
فإن قيل: لو كان حجة في الباقي بعد التخصيص، لم يخل إما أن يدل عليه حقيقة أو تجوزا، لا جائز أن يقال بالأول، إذ يلزم منه أن يكون اللفظ مشتركا بينه وبين الاستغراق ضرورة اتفاق القائلين بالعموم على كونه حقيقة في الاستغراق، والاشتراك على خلاف الأصل. وإن كان مجازا، فيمتنع الاحتجاج به لثلاثة أوجه.
الأول: أن المجاز فيما وراء صورة التخصيص متردد بين أقل الجمع وما عدا صورة التخصيص، ويمتنع الحمل على الكل لما فيه من تكثير جهات التجوز، وليس حمله على أحد المجازين أولى من الآخر، لعدم دلالة اللفظ عليه، فكان مجملا.
الثاني: أن المجاز ليس بظاهر، وما لا يكون ظاهرا لا يكون حجة.
الثالث: أن العام بعد التخصيص ينزل منزلة قوله: اقتلوا المشركين إلا بعضهم والمشبه به ليس بحجة، فكذلك المشبه سلمنا أنه حجة، لكن في أقل الجمع، أو فيما عدا صورة التخصيص؟ الأول مسلم، والثاني ممنوع. وذلك لان الحمل على أقل الجمع متيقن، بخلاف الحمل على ما زاد عليه، فإنه مشكوك فيه، فكان حجة في المتيقن.
والجواب عن السؤال الأول من جهة الاجمال، والتفصيل:
أما الاجمال، فهو أن اللفظ العام حجة في كل واحد من أقسامه، قبل التخصيص إجماعا، وهو إما أن يكون دالا عليه حقيقة، أو مجازا، ضرورة، وكل ما ذكروه من الاشكالات تكون لازمة، ومع ذلك فهو حجة، والعذر يكون متحدا.
وأما التفصيل، فنقول: ما المانع أن يكون مشتركا؟
قولهم: الاشتراك على خلاف الأصل، قلنا إنما يكون خلاف الأصل، أن لو لم يكن من قبيل الأسماء العامة، وليس كذلك على ما يأتي عن قرب إن شاء الله تعالى.
وإن سلمنا أنه ليس مشتركا، فما المانع من التجوز؟