سلمنا أنه لا بد في حصول العلم بخبر التواتر من حصول العلم بامتناع الكذب على المخبرين، ولكن نسلم أن ذلك يكون كافيا في كون العلم الحاصل من التواتر نظريا، إلا أن يكون العلم بالمقدمات قد علم معه أنها مرتبطة بالعلم الحاصل بخبر التواتر، وأنها الواسطة المفضية إليه، وذلك غير مسلم الوجود فيما نحن فيه، كما ذهب إليه الغزالي.
الحجة الثانية: أنه لو كان العلم بخبر التواتر ضروريا لنا، لكنا عالمين بذلك العلم على ما هو عليه، كما في سائر العلوم الضرورية. وذلك، لان حصول علم للانسان، وهو لا يشعر به، محال. فإذا كان ذلك العلم ضروريا، وجب أن يعلم كونه ضروريا، وليس كذلك.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أنه إذا كان ضروريا بد وأن يعلم أنه ضروري، بل جاز أن يكون أصل العلم بالمخبر بالضرورة، والعلم بصفته، وهي الضرورة، غير ضروري. كيف وأنه معارض بأنه لو كان نظريا، لعلمناه على صفته نظريا على ما قرروه، وليس كذلك، وليس أحد الامرين أولى من الآخر.
الحجة الثالثة أنه لو كان العلم بخبر التواتر ضروريا، لما اختلف العقلاء فيه، كما في غيره من الضروريات.
ولقائل أن يقول: الاختلاف فيه لا يدل على أنه غير ضروري، وإلا كان خلاف السوفسطائية في حصول العلم بالضروريات، مانعا من كونها ضرورية، وليس كذلك بالاتفاق من الخصمين هاهنا، بل ولكان خلاف السمنية في حصول أصل العلم بخبر التواتر مانعا منه، وليس كذلك.
الحجة الرابعة، أن خبر التواتر لا يزيد في القوة على خبر الله تعالى، وخبر رسوله، بل هو مماثل أو أدنى، والعلم بخبر الله ورسوله غير حاصل بالضرورة، بل بالاستدلال، فما هو مثله كذلك، والأدنى أولى.
ولقائل أن يقول: حاصل ما ذكر راجع إلى التمثيل، وهو غير مفيد لليقين، كما عرفناه في مواضعه. كيف وإن العلم بخبر التواتر من حيث هو علم، وإن كان لا يقع التفاوت بينه وبين العلم الحاصل من خبر الله والرسول، فكذلك لا تفاوت