الثاني: أنه لو حصل العلم بخبر الجماعة الكثيرة لحصل العلم بما ينقله اليهود عن موسى، والنصارى عن عيسى، من الأمور المكذبة لرسالة نبينا، التي دلت المعجزة القاطعة على صدقه فيها ووجوب علمنا بها، واجتماع علمين متناقضين محال.
الثالث: أنه لو حصل العلم الضروري بخبر التواتر، لما خالف في نبوة نبينا أحد، لان ما علم بالضرورة لا يخالف، وحيث وقع الخلاف في ذلك من الخلق الكثير علمنا أن خبر التواتر لا يفيد العلم.
الرابع: أنه لو كان العلم الضروري حاصلا بخبر التواتر، لما وقع التفاوت بين علمنا بما أخبر به أهل التواتر من وجود بعض الملوك، وعلمنا بأنه لا واسطة بين النفي والاثبات واستحالة اجتماع الضدين، وأن الجسم الواحد لا يكون في آن واحد في مكانين، لان الضروريات لا تختلف ولا يخفى وجه الاختلاف في سكون النفس إليهما.
الخامس: هو أن ما يحصل من الاعتقاد الجازم بما يخبر به أهل التواتر لا يزيد على الاعتقاد الجازم بأن ما شاهدناه بالأمس من وجود الأفلاك الدائرة، والكواكب السيارة، والجبال الشامخة، أنه الذي نشاهده اليوم مع جواز أن يكون الله تعالى قد أعدم ذلك، وما نشاهده الآن قد خلقه الله تعالى على مثاله فإذا لم يكن هذا يقينيا، فما لا يزيد عليه في الجزم والاعتقاد أيضا لا يكون يقينيا.
السادس: أنه لو كان العلم الضروري حاصلا من خبر التواتر، لما خالفناكم فيه، لان الضروري لا يخالف. والجواب من جهة الاجمال والتفصيل.
أما الاجمال فهو أن ما ذكروه تشكيك على ما علم بالضرورة، فلا يكون مقبولا، وأما التفصيل فأما السؤال الأول، فجوابه بما سبق في بيان تصور الاجماع، فيما تقدم.
وأما السؤال الثاني فلانه لا يلزم أن ما كان ثابتا لآحاد الجملة، وجائزا عليها، أن يكون ثابتا للجملة، وجائزا عليها. ولهذا فإنه ما من واحد من معلومات الله إلا وهو متناه، وجملة معلوماته غير متناهية. وكذلك كل واحد من آحاد الجملة،