كذبا. وقد اختلف في أخبار قيل إنها معلومة الكذب، وسيأتي الكلام فيها بعد هذا في أخبار الآحاد.
وأما ما لا يعلم صدقه ولا كذبه، فمنه ما يظن صدقه ككثير من الأخبار الواردة في أحكام الشرائع والعادات ممن هو مشهور بالعدالة والصدق، ومنه ما يظن كذبه كخبر من اشتهر بالكذب ومنه ما هو غير مظنون الصدق ولا الكذب، بل مشكوك فيه، كخبر من لم يعلم حاله ولم يشتهر أمره بصدق ولا كذب فإن قيل: كل خبر لم يقم الدليل على صدقه قطعا فهو كاذب لأنه لو كان صادقا لما أخلانا الله تعالى عن نصب دليل يدل عليه، ولهذا، فإن المتحدي بالنبوة، إذا لم تظهر على يده معجزة تدل على صدقه، فإنا نقطع بكذبه. قلنا: جوابه من ثلاثة أوجه:
الأول: لا نسلم امتناع الخلو من نصب دليل يدل على صدقه بتقدير أن يكون صادقا في نفس الامر. ومن أوجب ذلك فإنما بناه على وجوب رعاية الصلاح أو لا صلح، وقد أبطلناه في علم الكلام.
الثاني: أنه مقابل بمثله، وهو أن يقال: ولو كان كاذبا لما أخلانا الله تعالى عن نصب دليل يدل على كذبه.
الثالث: أنه يلزم مما ذكروه أن يقطع بكذب كل شاهد لم يقم الدليل القاطع على صدقه، وكفر كل مسلم وفسقه، إذا لم يقم دليل قاطع على إيمانه وعدالته، وهو محال.
وأما المتحدي بالرسالة إذا لم تظهر المعجزة الدالة على صدقه إنما قطعنا بكذبه بالنظر إلى العادة لا بالنظر إلى العقل، وذلك لان الرسالة عن الله تعالى على خلاف العادة، والعادة تقضي بكذب من يدعي ما يخالف العادة من غير دليل ولا كذلك الصدق في الاخبار عن الأمور المحسوسة، لأنه غير مخالف للعادة.
القسمة الثالثة:
إن الخبر ينقسم إلى متواتر، وآحاد. ولما كان النظر في كل واحد من هذين القسمين هو المقصود الأعظم من هذا النوع، وجب رسم الباب الثاني في المتواتر، والباب الثالث في الآحاد.