واحتجوا أيضا بقوله تعالى: * (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) *.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لأنه كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فالله عز وجل هو المثبت له، وهو تعالى الماحي به لما شاء أن يمحو من أوامره، وكل من عند الله، وهذه الآية حجة لنا عليهم في أنه تعالى يمحو ما شاء بما شاء عن العموم، ويدخل في ذلك السنة والقرآن.
واحتجوا أيضا بقوله تعالى: * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * قالوا: والمبين لا يكون ناسخا.
قال أبو محمد: وهذا خطأ من وجهين، أحدهما: ما قد بينا في أول الكلام في النسخ، من أن النسخ نوع من أنواع البيان، لأنه بيان ارتفاع الامر المنسوخ، وبيان إثبات الامر الناسخ، والثاني: أن قولهم: إن المبين لا يكون ناسخا دعوى لا دليل عليها، وكل دعوى تعرت من برهان فهي فاسدة ساقطة.
واحتجوا بقوله تعالى: * (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل) *.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لأنه لم يقل تعالى: إني لا أبدل آية إلا مكان آية، وإنما قال لنا: إنه يبدل آية مكان آية، ونحن لم ننكر بل أثبتناه، وقلنا: إنه يبدل آية، ويفعل أيضا غير ذلك، وهو تبديل وحي غير ذلك، متلو مكان آية، ببراهين أخر، وكل ما أبطلنا به أقوالهم الفاسدة في دليل الخطاب، فهو مبطل لاحتجاجهم بهذه الآية.
واحتجوا بقوله تعالى: * (ولا تعجل بالقرآن من قبل إن يقضى إليك وحيه) * قالوا: فإذا منعه الله تعالى من أن يبين القرآن من قبل أن يقضي إليه وحيه، فهو من نسخه أشد منعا.
قال أبو محمد: وهذا شغب وتمويه، لأننا لم نجز قط أن يكون الرسول عليه السلام ينسخ الآيات من القرآن قبل أن يقضى إليه وحي نسخها، وقائل ذلك عندنا كافر، وإنما قلنا: إنه عليه السلام إذا قضى إليه ربه تعالى وحيا غير متلو بنسخ آية، أبداه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس حينئذ بكلامه، فكان سنة مبلغة وشريعة لازمة ووحيا منقولا، ولا يضره أن يسمى قرآنا ولا يكتب في المصحف، كما لم يضر ذلك سائر الشرائع التي ثبتت بالسنة، ولا بيان لها