في القرآن، من عدد ركوع الصلوات، ووجوه الزكوات، وما حرم من البيوع وسائر الأحكام، وكل ذلك من عند الله عز وجل.
واحتج بعضهم بقوله تعالى: * (قل نزله روح القدس من ربك) * قال: وهذا لا يطلق إلا على القرآن.
قال أبو محمد: وهذا كله كذب من قائله وافتراء، وكل وحي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشريعة من الشرائع، فإذا نزل به الروح القدس من ربه، وقد جاء نص الحديث، بأن جبريل عليه السلام نزل فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا، حتى علمه الصلوات الخمس، وليس هذا في القرآن، وقد نزله روح القدس كما ترى.
قال أبو محمد: فبطل كل ما احتجوا به، وبالله تعالى التوفيق.
وقد قال الشافعي رحمة الله عليه: إذا أحدث الله تعالى لنبيه عليه السلام أمرا برفع سنة تقدمت أحدث النبي عليه السلام سنة تكون ناسخة لتلك السنة الأولى. فأنكر عليه بعض أصحابه هذا القول فقال: لو جاز أن يقال في وحي نزل ناسخا لسنة تقدمت فعمل بها النبي صلى الله عليه وسلم، أن عمله هذا نسخ السنة الأولى لكان إذا عمل عليه السلام سنة فنسخ بها سنة سالفة له، فعمل بها الناس إن عمل الناس نسخ السنة الأولى، وهذا خطأ.
قال أبو محمد: وهذا اعتراض صحيح، والرسول صلى الله عليه وسلم مفترض عليه الانقياد لأمر ربه عز وجل. فإنما الناسخ هو الامر الوارد من الله عز وجل، لا العمل الذي لا بد منه، والذي إنما يأتي انقيادا لذلك الامر المطاع.
قال أبو محمد: فيقال لمن خالفنا في هذه المسألة: أيفعل الرسول صلى الله عليه وسلم أو يقول شيئا من قبل نفسه دون أن يوحى إليه به؟ فإن قال: نعم، كفر وكذبه ربه تعالى بقوله عز وجل: * (وما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحى يوحى) * وبقوله تعالى آمرا له أن يقول: * (ان أتبع إلا ما يوحى إلى) * فلما بطل أن يكون فعله صلى الله عليه وسلم أو قوله إلا وحيا، وكان الوحي ينسخ بعضه بعضا، كانت السنة والقرآن ينسخ بعضها بعضا.
قال أبو محمد: ومما يبين نسخ القرآن بالسنة بيانا لا خفاء به قوله تعالى: