- وأهوى النعمان بأصبعه إلى أذنيه: إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن حمى الله محارمه وقال تعالى: * (أفلا يتدبرون القرآن) * وقال تعالى: * (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين . قال أبو محمد: فوجدناه تعالى قد حض على تدبر القرآن، وأوجب التفقه فيه، والضرب في البلاد لذلك ووجدناه تعالى قد نهى عن اتباع المتشابه منه، ووجدناه صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن المتشابهات - التي بين الحرام البين والحلال البين - لا يعلمها كثير من الناس، فكان ذلك فضلا لمن علمها، فأيقنا أن الذي نهى عز وجل عن تتبعه، هو غير الذي أمر بتتبعه وتدبره والتفقه فيه، وأيقنا بلا شك أن المشتبه الذي غبط صلى الله عليه وسلم عالمه، هو غير المتشابه الذي حذر من تتبعه، هذا الذي لا يقوم في المعقول سواه، إذ لا يجوز أن يكلفنا تعالى طلب شئ، وينهانا عن طلبه في وقت واحد، فلما علمنا ذلك وجب علينا طلب المتشابه الذي أمرنا بطلبه، لنتفقه فيه، وأن نعرف أي الأشياء هو المتشابه الذي نهينا عن تتبعه فنمسك عن طلبه.
فنظرنا في القرآن وتدبرناه، كما أمرنا تعالى فوجدناه جاء بأشياء منها التوحيد وإلزامه، فكان ذلك مما أمرنا باعتقاده والفكرة فيه، فعلمنا أنه ليس من المتشابه الذي نهينا عن تتبعه، ومنها صحة النبوة وإلزامنا الايمان بها، فعلمنا أن ذلك ليسمن المتشابه الذي نهينا عن تتبعه، ومنها الشرائع المفترضة والمحرمة والمندوب إليها والمكروهة والمباحة، وذلك كله مفترض علينا تتبعه وطلبه، فأيقنا أن ذلك ليس من المتشابه الذي نهينا عن تتبعه. ومنها تنبيه على قدرة الله تعالى وذلك مما أمرنا بالتفكر فيه بقوله تعالى: * (أفلا ينظرون إلى الا بل كيف خلقت) * وبقوله تعالى: * (ويتفكرون فخلق السماوات والأرض) * مثنيا عليهم، فأيقنا أنه ليس من المتشابه.
ومنها أخبار سالفة جاءت على معنى الوعظ لنا، وهي مما أمرنا بالاعتبار به بقوله تعالى: * (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) * فأيقنا أن ذلك ليس من المتشابه