إنما يلزمنا الامر إذا بلغنا، وكذلك الامر لم يبلغ بعد إلى المسلمين، فأجاب بعض من سلف القائلين بقولنا: إنه تعالى قد أبلغ أمره بذلك إلى رسوله، فهو سيدنا وإمامنا فكان الخمسون اللازمة له لبلوغ الامر إليه، ثم نسخت عنه قبل أن يعمل بها.
قال أبو محمد: فإن قالوا: لم يرد الله تعالى قط بالخمسين إلا خمسا يعطي بكل واحدة عشر حسنات، واحتجوا بما في آخر الحديث من قوله تعالى: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فالجواب، وبالله تعالى التوفيق: إن هذا الكلام هو بيان قولنا لا قولهم، لان الخمس لا تكون خمسين في العدد أصلا، وإنما هي خمسون في العدد، وخمسون في الاجل، وكنا ألزمنا أولا خمسين في العدد وهي خمسون في الاجر فقط، فأسقط عنا التعب وبقي لنا الاجر، فصح أن الساقط غير اللازم ضرورة، وبرهان ذلك حطه تعالى إلى خمس وأربعين وإلى أربعين، ثم إلى خمس وثلاثين ثم ثلاثين، وهكذا خمسا خمسا حتى بقيت خمسا، وهذا لا إشكال فيه، في أن الملزم غير المستقر آخرا، فبطل اعتراضهم، والحمد لله رب العالمين.
ومن طريق ما اعترض به بعضهم أن قال: لعله عليه السلام قد صلى الخمسين صلاة قبل نسخها، أو لعل الملائكة صلتها قبل نسخها.
قال أبو محمد: وهذا جهل شديد، ولو كان لقائل هذا أدنى علم بالاخبار لم يقل هذا الهجر، لان الاسراء إنما كان في جوف الليل، ولم يأت الصباح إلا وهو صلى الله عليه وسلم قد رجع إلى مكة وكان بها قبل مغيب الشفق وبعد غروب الشمس، وقبل طلوع الشمس من تلك الليلة، وإنما لزمت الخمسون في يوم وليلة.
وأيضا فهو عليه السلام، يذكر بلفظه في الحديث: أنه لم ينفك راجعا وآتيا من ربه تعالى إلى موسى عليه السلام، وأما الملائكة فلم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، بل بعضهم هم الرسل من الله تعالى إليه، وإنما بعث إلى الجن والإنس الساكنين دون سماء الدنيا، وهذا ما لا خلاف فيه بين المسلمين مع النصوص الواردة في القرآن والحديث في خطاب هذين النوعين فقط، وإنما بعث إليهما فقط، والملائكة في مكان لا ليل فيه، وإنما هي في السماوات التي هي