جهار بالمعصية لله تعالى وخلاف أمره، وتحكم في الدين بلا دليل نعوذ بالله من ذلك.
قال أبو محمد: ومما نسخت فيه السنة القرآن، قوله عز وجل: * (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * فإن القراءة بخفض أرجلكم وفتحها، كلاهما لا يجوز إلا أن يكون معطوفا على الرؤوس في المسح ولا بد، لأنه لا يجوز البتة أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بخبر غير الخبر عن المعطوف عليه، لأنه إشكال وتلبيس وإضلال لا بيان، لا تقول ضربت محمدا وزيدا، ومررت بخالد وعمرا، وأنت تريد أنك ضربت عمرا أصلا، فلما جاءت السنة بغسل الرجلين صح أن المسح منسوخ عنهما. وهكذا عمل الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يمسحون على أرجلهم حتى قال عليه السلام: ويل للأعقاب والعراقيب من النار وكذلك قال ابن عباس: نزل القرآن بالمسح.
قال أبو محمد: والنسخ تخصيص بعض الأزمان بالحكم الوارد دون سائر الأزمان، وهم يجيزون بالسنة تخصيص بعض الأعيان، مثل قوله عليه السلام:
لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا وما أشبه ذلك، فما الفرق بين جواز تخصيص بعض الأعيان بالسنة، وبين جواز تخصيص بعض الأزمان بها؟ وما الذي أوجب أن يكون هذا ممنوعا، وذلك موجودا؟ فإن قالوا: ليس التخصيص كالنسخ، لان التخصيص لا يرفع النص، والنسخ يرفع النص كله. قيل لهم:
إذا جاز رفع بعض النص بالسنة - وبعض النص نص - فلا فرق بين رفع بعض نص آخر بها، وكل ذلك سواء، ولا فرق بين شئ منه.
قال أبو محمد: وقد أقروا وثبت الخبر، بأن آيات كثيرة رفع رسمها البتة، ولا يجوز أن ترفع بقرآن، إذ لو رفعت بقرآن لكان ذلك القرآن موجودا متلوا، وليس في شئ من المتلو ذكر رفع لآية كذا مما رفع البتة، فوجب ضرورة أن ما ارتفع، رسمه من القرآن فإنما رفعته سنته عليه السلام، و إخباره أن ذلك قد رفع وهذا نفس ما أجزنا من نسخ القرآن بالسنة، فإن قالوا: إنما رفع بالانساء، قيل لهم: الانساء ليس قرآنا، وإنما ذلك هو فعل منه تعالى وأمر بألا يتلى.
قال أبو محمد: ومما نسخ من القرآن بالسنة قوله تعالى: * (إن ترك خيرا الوصية