بدله من تلقاء نفسه، وقائل هذا كافر، وإنما نقول: إنه عليه السلام بدله بوحي من عند الله تعالى، كما قال آمرا له أن يقول: * (إن أتبع إلا ما يوحى إلى) * فصح بهذا نصا جواز نسخ الوحي بالوحي، والسنة وحي فجائز نسخ القرآن بالسنة، والسنة بالقرآن.
واحتجوا أيضا بقوله تعالى: * (ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها أو مثلها) * قالوا: والسنة ليست مثلا للقرآن ولا خيرا منه.
قال أبو محمد: وهذا أيضا لا حجة لهم فيه، لان القرآن أيضا ليس بعضه خيرا من بعض، وإنما المعنى نأت بخير منها لكم أو مثلها لكم، ولا شك أن العمل بالناسخ خير من العمل بالمنسوخ، قبل أن ينسخ، وقد يكون الاجر على العمل بالناسخ مثل الاجر على العمل بالمنسوخ قبل أن ينسخ، وقد يكون أكثر منه، إلا أن فائدة الآية أننا قد أمنا أن يكون العمل بالناسخ أقل أجرا من العمل بالمنسوخ قبل أن ينسخ، لكن إنما يكون أكثر منه أو مثله، ولا بد من أحد الوجهين، تفضلا من الله تعالى - لا إله إلا هو - علينا.
وأيضا فإن السنة مثل القرآن في وجهين: أحدهما: أن كلاهما من عند الله عز وجل على ما تلونا آنفا من قوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى) *. والثاني استواؤهما في وجوب الطاعة بقوله تعالى: * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * وبقوله تعالى * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * وإنما افترقا في ألا يكتب في المصحف غير القرآن، ولا يتلى معه غيره مخلوطا به، وفي الاعجاز فقط. وليس في العالم شيئان إلا وهما يشتبهان من وجه ويختلفان من آخر لا بد من ذلك ضرورة ولا سبيل إلى أن يختلفا من كل وجه، ولا أن يتماثلا من كل وجه، وإذ قد صح هذا كله، فالعمل بالحديث الناسخ أفضل وخير من العمل بالآية المنسوخة، وأعظم أجرا، كما قلنا قبل ولا فرق، وقد قال تعالى: * (ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم) * وقد تكون المشركة خيرا منها في الجمال وفي أشياء من الأخلاق ونحوها، وإن كانت المؤمنة خيرا عند الله تعالى، وهذا شئ يعلم حسا ومشاهدة، وبالله تعالى التوفيق.