ربه تعالى، فلما صح كل ما ذكرنا أيقنا أنه إذا علم شيئا كان قد حرمه ثم علمه ولم يغيره -: أن التحريم قد نسخ، وأن ذلك قد عاد حقا مباحا ومعروفا غير منكر.
وأما إن كان قد تقدم في ذلك الشئ نهي فقط ثم رآه صلى الله عليه وسلم أو علمه فأقره، فإنما ذلك بين أن ذلك النهي على سبيل الكرامة فقط، لأنه لا يحل لاحد أن يقول في شئ من الأوامر، إن هذا منسوخ إلا ببرهان جلي، إذ كلها على وجوب الطاعة لها، وما تيقنا وجوب طاعتنا له، فحرام علينا مخالفته لقول قائل:
هذا منسوخ، ولو جاز قبول ذلك ممن ادعاه بلا برهان لسقطت الشرائع كلها، لأنه ليس قول زيد وعمرو ومالك والشافعي وأبي حنيفة: هذا منسوخ، بأولى من قول كل من على ظهر الأرض - فيما يستعمله من ذكرنا -: هذا أيضا منسوخ.
وقد قال تعالى: * (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * ومن قال في شئ من أوامر الله تعالى، أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم: هذا منسوخ أو هذا متروك، أو هذا مخصوص، أو هذا ليس عليه العمل، فقد قال: دعوا ما أمركم به ربكم أو نبيكم ولا تعملوا به، وخذوا قولي وأطيعوني في خلاف ما أمرتم به.
قال أبو محمد: فحق من قال ذلك أن يعصى، ولا يلتفت إلى كلامه، إلا أن يأتي ببرهان من نص أو إجماع، كما قدمنا في فصل كيفية معرفة المنسوخ من المحكم.
قال أبو محمد ومما ذكرنا أنه نهى عنه صلى الله عليه وسلم، ثم رآه فلم ينكره نهيه المصلين خلف الجالس عن القيام. ثم صلى عليه السلام في مرضه الذي مات فيه جالسا، والناس وراءه قيام ولم ينكر عليه السلام ذلك، فصح أن ذلك النهي الأول ندب، إلا من فعل ذلك إعظاما للامام، فهو حرام على ما بين عليه السلام يوم صلاته إذ ركب فرس أبي طلحة فسقط.