إنه تعالى إنما أراد من هؤلاء الانقياد والعزيمة فقط، والله تعالى لم يرد قط ممن مات قبل حلول وقت الصلاة أن يصليها.
واحتج بعض من تقدم - في إجازة نسخ الشئ قبل العمل به - بحديث الزبير:
إذ خاصم الأنصاري في سيل مهزور ومذينب وجعل الامر الآخر منه عليه السلام ناسخا للأول. وأبطل قول من قال: كان الامر الأول على سبيل الصلح وتر ك الزبير بعض حقه وقال: إن هذا لا يحل أن يقال، لان حكمه عليه السلام كله حق واجب، لقول الله تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم) * فلم يخص أمرا دون أمر، ولو ساغ ذلك في هذا الحديث، لساغ لكل أحد أن يقول في أي حكم حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هذا على سبيل الصلح لاعلى سبيل الحقيق، وهذا كفر من قائله.
قال أبو محمد: وقد صدق هذا المحتج فيما قال.
قال بعضهم: لو جاز النسخ قبل العمل لجاز قبل الاعتقاد.
قال أبو محمد: وهذا قياس، والقياس باطل، ولو كان القياس حقا لكان هذا فاسدا، إذ ليس سقوط العقل موجبا لسقوط الاعتقاد، وقد يعتقد وجوب الشئ وتصحيحه من لا يفعله من المسلمين العصاة، وقد يفعله من لا يعتقده من المنافقين والمرائين، وهذا أمر يعلم بالمشاهدة، فبطل أن يكون الاعتقاد مرتبطا بالعمل، وبطل ما موه به هذا المعترض من أنه لو جاز النسخ قبل العمل لجاز قبل الاعتقاد، فإن قالوا: لو جاز نسخ الشئ قبل العمل به لكان اعتقاده حسنا وطاعة، وفعله قبيحا ومعصية، وهذا محال.
فالجواب: إن هذا شغب ضعيف لأنهم جمعوا بين حكم زمانين مختلفين، وإنما يكون اعتقاد الشئ حقا - إن فعل - إذا لم ينسخ، فأما إذا نسخ فإنما الواجب اعتقادا أنه معصية إن فعل، واعتقاد أنه قد كان طاعة في وقت آخر، وهذا ليس محالا فإن قالوا: الاعتقاد فعل قيل لهم: الاعتقاد فعل النفس منفردة لا شركة للجسد