بعبثه فيها، لا بصلاته إلى غير القبلة، ولأن الائتمار إنما يكون بعد العلم بالامر اللازم له لا قبل، ولا تكون طاعة أصلا إلا بنية وقصد إلى عمل بعد ما أمر به علمه بأنه لازم له، وإلا فهو عبث، لا يسمى ذلك في اللغة طائعا أصلا، ولكتب عليه اسم المستسهل للصلاة إلى غير القبلة، ومثاله الآن: بينما رجل في صحراء أداه اجتهاده إلى جهة ما فخالفها متعمدا، فوافق في الوجهة التي صلى إليها إن كانت القبلة على حق، فهذا عابث في صلاته فاسق، وليس مصليا إلى غير القبلة.
قال أبو محمد: كذلك كانت صلاة أهل قباء، ومن كان بأرض الحبشة إلى بيت المقدس صلاة تامة، وإن كان النسخ قد وقع بالقبلة إلى الكعبة على من بلغه لأنهم لم يعلموا ذلك، ولكن أجرهم على صلاتهم كذلك أجران، وأما من بلغه ذلك ثم نسيه، أو تأول فيه فأجرهم على صلاته كذلك أجرا واحدا لأنهم مجتهدون أخطؤوا ما عند الله عز وجل، وهم مأمورون باستقبال الكعبة، ولكنهم غير ملومين ولا آثمين في ترك ذلك، لأنهم معذورون بالجهل، وهذا بين وبالله تعالى التوفيق، وليس كذلك أهل قباء، ومن كان بأرض الحبشة، لأن فرضهم البقاء على ما بلغهم، حتى ينتقل بلوغ النسخ إليهم.
قال أبو محمد: وقد تبين بهذا ما قلناه في غير موضع من كتابنا، أن المخطئ أفضل عند الله من المقلد المصيب، وكذلك قلنا في جميع العبادات، فإن سأل سائل عن قولنا في الوكيل يعزله موكله أو يموت، فينفذ الوكيل ما كان وكل عليه بعد عزله، وهو يعلم أنه معزول، أو بعد موت الذي وكله وهو لا يعلم بموته قلنا له، وبالله تعالى التوفيق: قال الله عز وجل: * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) *.
وقال صلى الله عليه وسلم: د ماؤكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام فكل أمر أنفذه الوكيل بعد عزله وهو غير عالم فنافذ، لان عازله ولا يعلمه مضار، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من ضار أضر الله به فهو منهي عن المضارة. وأما ما أنفذ بعد موت موكله - وهو عالم أو غير عالم - فهو مردود منسوخ، لأنه كاسب على غيره بغير نص ولا إجماع، ولا يجوز القياس أصلا ولكل حكم حكمه، وليست هذه الأمور بابا واحدا فيستوي الحكم فيها، إلا أن يكون وكله على دفع وديعة أو دين أو حق لآخر فهذا نافذ، عزله أو علم الوكيل أنه عزله أو أنه مات، أو لم يعلم