أو المحارب، ولو لم يأمرنا بالرحمة لما وجبت أيضا. كما أننا نضجع الخروف الصغير ونذبحه ونطبخ لحمه ونأكله ونفعل ذلك أيضا بالفصيل الصغير، ونثكل أمه إياه، ونولد عليها من الحنين والوله أمرا ترق قلوب سامعيه له، وتؤلم نفوس مشاهديها، وقد شاهدنا كيف خوار البقر وفعلها إذا وجدت دم ثور قد ذبح، وكل هذا حلال بلا مأمور به ويكفر من لم يستحله، ويجب بذلك سفك دمه، فأي فرق في العقول بين هذا وبين ذبح صبي آدمي لو أبيح لنا ذلك؟ وقد جاء في بعض الشرائع أن موسى عليه السلام أمر في أهل مدين إذا حاربهم بقتل جميع أطفالهم أولهم عن آخرهم من الذكور، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين يصابون في البيات، فقال: هم من آبائهم فهل في هذا كله شئ غير الأمور الواردة من الله عز وجل؟
وقد قال قوم: إذا جاء أمر بشريعة ما، وجاء على فعلها وعد وعلى تركها وعيد ثم نسخ ذلك الامر، فقد نسخ الوعد والوعيد عليه.
قال أبو محمد: فيقال له وبالله تعالى التوفيق: لم ينسخ الوعد ولا الوعيد لأنهما إنما كانا متعلقين بثبات ذلك الامر لا على الاطلاق، وإنما يصح النسخ فيها لو بقي ذلك الامر بحبسه، ثم يأت خبر بإسقاط ذلك الوعيد، وهذا ما لا سبيل إليه بعد ورود الخبر به. ولا نسخ في الوعد ولا في الوعيد البتة، لأنه كان يكون كذبا وإخلافا وقد تنزه الله تعالى عن ذلك، ولكن الآيات والأحاديث الواردة في ذلك مضموم بعضها إلى بعض، ولا يجوز أن نقتصر منها على بعض دون بعض، على ما بينا في كتاب الفصل، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: وقد غلط قوم غلطا شديدا، وأتوا بأخبار ولدها الكاذبون والملحدون، منها أن الداجن أكل صحيفة فيها آية متلوة فذهب البتة، ومنها أن قرآنا أخذه عثمان بشهادة رجلين، وشهادة واحدة، ومنها أن قراءات كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقطها عثمان، وجمع الناس على قراءة واحدة.
قال أبو محمد: وهذا كله ضلال نعوذ بالله منه ومن اعتقاده، وأما الذي لا يحل اعتقاد سواه فهو قول الله تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * فمن شك في هذا كفر، ولقد أساء الثناء على أمهات المؤمنين ووصفهن بتضييع