وجدنا نصا جليا على منسوخ، ووجدنا نصا في ذلك من نهي بعد أمر أو أمر بعد نهي أو نقل من مرتبة إلى مرتبة على ما قدمنا - فقد أيقنا بالنسخ، مثل قوله عليه السلام: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن الانتباذ في الأسقية فانتبذوا وأباح الانتباذ في كل ظرف، ومثل قول جابر: كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، ومثل ما روي أنه رخص في الحجامة للصائم، والترخيص لا يكون إلا بعد النهي، والحجامة هكذا فعل الحاجم والمحجوم معا، فهذان وجهان.
أو نجد حالا قد أيقنا بإبطالها وارتفاعها، وحالا أخرى قد أيقنا بنزولها ووجوبها ورفعها للحال الأولى، ثم جاء نص من قرآن أو حديث موافق للحال المرفوعة التي قد سقطت بيقين، إلا أننا لا ندري هل جاء هذا النص - الموافق لتلك الحال المرفوعة - قبل مجئ الحال الرافعة أو بعدها؟ فإذا كان مثل هذا ففر ض ألا يترك ما أيقنا بوجوبه علينا، وصح عندنا لزومه لنا، وحرم علينا أن نرجع إلى حال قد أيقنا بارتفاعها عنا، وصح عندنا بطلانها إلا بنص جلي راد لنا إلى الحالة الأولى، ورافع عنا الحالة الثانية.
ومن تعدى هذا فقد قفا ما لا علم له به وترك الحق واليقين، واستعمل الشك والظنون، وذلك ما لا يحل أصلا، فكيف وقول الله تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * وقوله تعالى: * (قد تبين الرشد من الغي) * وقوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي) * شواهد قاطعة بأنه لا يجوز البتة أن يكون الله تعالى تركنا في عمياء وضلالة لا ندري معها أبدا، هل هذا الحكم منسوخ أو غير منسوخ، هذا أمر قد أمنا وقوعه أبدا، إذ لو كان ذلك لكان الدين قد بطل أكثره، ولكننا في شك متصل لا ندري أنعمل بالباطل في نصوص كثيرة من القرآن والسنن، أم نعمل بالحق وهل نحن في طاعات كثيرة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم على ضلال أو على هدى؟ حاشا لله من هذا. فصح يقينا أن كل تيقنا بطلانه فهو باطل أبدا، بلا شك حتى يأتي نص ثابت بأنه قد عاد بعد بطلانه هكذا ولا بد، وإلا فلا، والحمد لله رب العالمين.
فمن هذا الباب ما قد أيقنا من أن إباحة زواج أكثر من أربع نسوة قد ارتفعت، وأن نكاح أكثر من أربع حرام على كل أحد - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيقين، وقد