مكروه، ومن تركه أجر، ومن فعله لم يأثم ولم يؤجر، كمن أكل متكئا، ومن استمع زمارة الراعي، فلو كان ذلك حراما لما أباحه عليه السلام لغيره، ولو كان مستحبا لفعله عليه السلام، فلما تركه كارها له كرهناه ولم نحرمه.
فإن قال قائل: فقد ناموا بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلوا ولم يأمرهم بإعادة الوضوء، وأنتم لا ترون ذلك، قيل له وبالله التوفيق: ما روى أحد قط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآهم نياما، ولا أعلم أنهم ناموا، وإنما جاء الحديث: أنه عليه السلام أبطأ بالعشاء الآخرة حتى نام الناس، وسمع لهم غطيط، وصاح عمر:
نام النساء والصبيان. فالحديث كما تسمع بين في أنهم ناموا وهو عليه السلام غائب غير حاضر، وإنما أعلمه عمر بنوم النساء والصبيان، وهذان الصنفان ليس عليهم حضور الصلاة في الجماعة فرضا، وأيضا فمن أين للمحتج بهذا أن يقول:
ناموا قعودا نوما قليلا، بلا أن يرد ذلك في الحديث، ولعل فيهم من نام مستندا إلى صاحبه أو إلى الحائط أو مضطجعا نوما طويلا، ما يدري من لم يحضر نومهم كيف كان نومهم، ومثل هذا من الدعاوي لا يستجيزها ذو دين متهم بالصدق.
فلما صح أنه عليه السلام كان غائبا، ولم يأتنا نص في أنه عليه السلام علم نومهم، وصح أمره عليه السلام في حديث صفوان بن عسال المرادي بالوضوء من النوم جملة -: لزمنا ألا نزول عما أمرنا لأمر لا ندري أعلمه عليه السلام أم لم يعلمه؟ ولو صح عندنا أنه عليه السلام علم أنهم ناموا وأقرهم على ذلك لقلنا به، ولأسقطنا الوضوء عمن نام جملة على أي حال نام، ولو صح في ذلك الخبر أن عمر قال: نام الناس، لما كان لهم فيه متعلق، لأنه كان يكون معناه نام الناس الذين ينتظرونه عليه السلام، وكيف وكل طائفة منهم تخالف هذا الخبر، لأنهم يخصون بعض أحوال النوم دون بعض، وليس بيننا في الخبر أصلا.
فإن قال قائل: أيجوز أن يخفى ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قيل له: نعم، كما جاز عندكم معاشر الشافعيين والمالكيين والحنفيين قول جابر: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله. على أن بيع أمهات الأولاد أشهر من نوم قوم في الليل، والقوم في عوزة من المصابيح بركن المسجد.