ما ذكرنا من الائتساء به عليه السلام في أفعاله، وأما من قال: نطلب الدليل، فإن وجدنا دليل، على وجوب الفعل صرنا إليه، وإن لم نجد دليلا حملنا الافعال على الائتساء فقط، فهي نفس قولنا، إلا أننا نحملها على الائتساء أبدا ما لم نجد دليلا على الوجوب، فإن وجدناه صرنا إليه، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: وأما الشئ يراه عليه السلام أو يبلغه أو يسمعه، فلا ينكره ولا يأمر به فمباح، لان الله عز وجل وصفه عليه السلام فقال: * (الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر) * فلو كان ذلك الشئ منكرا لنهى عنه عليه السلام بلا شك، فلما لم ينه عنه لم يكن منكرا فهو مباح المباح معروف، وما عرفه عليه السلام فهو معروف، ولا معروف إلا ما عرف، ولا منكر إلا ما أنكر، فمن ذلك: غناء الجاريتين في بيته، وهو عليه السلام يسمع ولا ينكر، فأنكر ذلك أبو بكر، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر إنكاره، فصح بذلك ما ذكرنا نصا، ووجب الانكار على كل ما أنكر ما علمه عليه السلام فأقره.
ومن ذلك زفن السودان، فنهاهم عمر، فأنكر عليه السلام على عمر إنكاره عليهم، ومن ذلك اللعب التي رأى عليه السلام عند عائشة، وفيها فرس ذو أجنحة مع نهيه عليه السلام عن الصور، فكان ذلك إذا مستثنى مما نهى عنه، ومثل إنكاره عليه السلام الصور في الستر، مع إباحته لذلك إذا كان رقما في ثوب، واستثناءه إياه من جملة ما نهى عنه من الصور، فلما قطعت عائشة الستر وسادتين، اتكأ عليه السلام عليهما ولم ينكرهما، فصح من ذلك أن المعلق من الثياب التي فيها الصور مكروه، ليس حراما ولا مستحبا، لكن من تركها أجر، ومن استعملها لم يأثم، واختار ههنا عليه السلام الأفضل، واختاره لعائشة وفاطمة رضي الله عنهما، وصح بذلك أن الثياب التي فيها الصور وإذا كانت وسائد فذلك حسن مباح ولا مستحب لا نكرهه أصلا بل نحبه.
وكذلك الشئ إذا تركه عليه السلام ولم ينه عنه ولا أمر به، فهو عندنا مباح