لهما جناح الذل من الرحمة) * فإنما تعبدنا تعالى بأن نذل للأبوين ونرحمهما، ولم يلزمنا تعالى قط أن ننطق، ولا بد فيما بيننا بأن للذل جناحا، وهذا لا خلاف فيه، وليس كذلك الصلاة والزكاة والصيام، لأنه لا خلاف في أن فرضا علينا أن ندعو إلى هذه الأعمال بهذه الأسماء بأعيانها ولا بد، وبالله تعالى التوفيق.
واحتج من منع من المجاز بأن قال: إن المجاز كذب، والله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يبعدان عن الكذب.
قال علي: فيقال له صدقت وليس نقل الله تعالى الاسم عما كان علقه عليه في موضع ما إلى موضع آخر كذبا، بل هو الحق بعينه، لان الحق هو ما فعله تعالى والباطل هو ما لم يأمر به أو لم يفعله، ومن ظن أن هنا حقا هو عيار على الله تعالى، وزمام على أفعاله يلزمه عز وجل أن يجري أفعاله عليه فقد كفر، وقد تكلمنا في هذا في باب إثبات حجج العقول، ونستوعب الكلام فيه إن شاء الله تعالى في باب إبطال العلل من كتابنا هذا، وقد تكلمنا على ذلك أيضا في كتابينا الموسومين بالتقريب والفصل كلاما كافيا، وبالله تعالى التوفيق.
وليست الأسماء موضوعة على المسميات، إلا إما بتوقيف وإما باصطلاح، ولا موقف إلا الله عز وجل، فإذا أوقع الموقف الأول - عز وجل - اسما ما على مسمى ما في مدة ما، أو في معنى ما، ثم نقل ذلك الاسم إلى معنى آخر، في مكان آخر، فلا كذب في ذلك، ولا للكذب ههنا مدخل، وإنما يكون كاذبا من نقل منا اسما عن موضوعه في اللغة إلى معنى آخر يلبس به بلا برهان، فهذا هو الكاذب الآفك الأثيم، وكذلك لو اصطلح اثنان على أن يسميا شيئا ما اسما ما - مخترع من عندهما أو منقول عن شئ آخر - يتفاهما به لا ليلبسا به فلا كذب في ذلك، فإذا جاز هذا فيما بيننا فهو للذي يلزم للجميع أن يعبدوه ويطيعوه ما أمكن، وهو بذلك تعالى أولى.
والتلبيس في هذا هو من قال: العسل حلال، والمسكر من مصراة عسل فهو حلال، فهذا كاذب، فإنه أتى إلى عين سماها الله عز وجل خمرا - والخمر حرام - فسماها بغير اسمها ليستحلها بذلك، وقد أنذر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي، عن محمد بن إسحاق القاضي، عن ابن الأعرابي، عن