واحد فلم يكمل بعد أمرها حتى ينقضي الكلام، فإذا جاء بعقبها استثناء فقد صح الاستثناء يقينا، وإذا صح يقينا فقد حصل التخصيص بالنص، وصار الاقتصار به على بعض ما قبله دون بعض دعوى مجردة لا دليل عليه، فإن قال قائل: فإن رده على أقرب ما يليه يقين، ورده على كل ما قبله شك، قيل له وبالله تعالى التوفيق: ليس شكا إذا قام الدليل على صحته، بل هو يقين، وأيضا فظاهر اللفظ رده على كل ما قبله، وتخصيص الظاهر بلا دليل لا يجوز.
قال علي: وكذلك نقول في آية القذف في قوله تعالى: * (وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا) * راجع إلى كل ما تقدم، ومسقط للفسق عنهم، وموجب لقبول شهادتهم، فإن قال قائل: فهلا أسقطتم به الحد، قلنا: منع من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لقاذف امرأته: البينة وإلا فحد في ظهرك، لأنه عليه السلام لم يسقط الحد إلا ببينة لا بالتوبة، وقد حد حمله ومسطحا في قذفهم عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ولا شك في توبتهم حين نزول الآية ببراءتها، ولو لم يتوبوا لارتدوا وكفروا ولحلت دماؤهم، فصح أنهم حدوا بعد يقين توبتهم. وكذلك قلنا في قوله تعالى: * (فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) *. فلولا بيان الاستثناء أنه مردود إلى الأهل فقط، لسقطت به الرقبة ولكن لا حق للأهل في الرقبة ولا صدقة لهم فيها، وقد قال تعالى * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) *.
وكذلك قلنا في قوله عز وجل: * (لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) * فهذا الاستثناء مردود على المخاطبين أنفسهم، وهذا القليل عندنا مستثنى من الفضل والرحمة، لا من اتباع الشيطان، والآية على ظاهرها دون تكلف تأويل، ومعناها: أن الله رحمكم وتفضل عليكم حاشا قليلا منكم لم يرحمهم ولا تفضل عليهم، وهم الكفار منكم والمنافقون الذين فيكم، فلم تتبعوا الشيطان بفضل الله تعالى ورحمته، وأما الذين لم يتفضل الله عليهم ولا رحمهم فاتبعوا الشيطان، وهذا الذي قلنا هو العيان المشهود والنص المسموع، فإن الأقل من المخاطبين الحاضرين مع الصحابة رضي الله عنهم كانوا