قال علي: وإنما وجب ذلك لضرورة بينة في تلك الآية، فإنه لا يجوز البتة في نصها أن يرد الشرط على كل مذكور فيها، لأنه تعالى قال: * (وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) * فكان ذكر الدخول من صلة وصف النساء اللواتي هن أمهات الربائب، لا بوصف أمهات النساء، إذ من المحال الممتنع أن يقول تعالى: وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، لأنه كلام فاسد البتة لا يفهم فلما صح أن الدخول المذكور إنما هو مراد به أمهات ربائبنا ضرورة، لأنه من صلة اللاتي، واللاتي صفة للنساء اللواتي هن أمهات ربائبنا ضرورة، كان قوله تعالى: * (فإن لم تكونوا دخلتم بهن) * مرد ودا إليهن ضرورة أيضا، لأنه أحد قسميهن اللذين هما دخول ولا دخول، وهو صلة الكلام المتصل به لا مما قبله.
فإن قال قائل: أنتم تجيزون أن يستثنى الشئ من خير جنسه، فكيف تقولون فيمن باع بدينار إلا درهما، أو إلا قفيز قمح، أو ما أشبه هذا؟ قلنا له وبالله تعالى التوفيق: هذا عندنا ممتنع في البيع حرام، لأنه يرجع إلى بيعتين في بيعة، لان الدرهم والعرض، لا يستثنى من غير جنسه عندنا إلا على معنى الاستثناء المنقطع، كما بينا في أول هذا الباب، فإن كان ذلك فإنما مرجعه إلى القيمة، فإن كان ذلك في البيع فقد وجب أنه باعه بدينار إلا ما قابل صرف الدرهم من الدينار، وهذه بيعة أو ثمن مجهول، وكلاهما حرام في البيوع وهو جائز في الاقرار، لأنه أقر له بدينار، وذكر أن له عنده درهما، فخرج الدرهم أو قيمته مما أقر به.
وكذلك لو قال مقر: له عندي دينار، ولي عنده ديناران، أو إلا دينارين لي عنده، لم يحكم عليه بشئ أصلا، لأنه بعد أن أقر له أتى بما سقط به عنه الاقرار جملة، ولو كان ذلك في البيع لم يجز عند أحد من المسلمين، وبالله تعالى التوفيق.