لم يفرض عليه قيام الليل كله، وإنما فرض عليه القيام في الليل، وهذا البدل يحل محل المبدل منه فالمفهوم أنه قال تعالى: قم الليل إلا نصفه، ثم زادنا الله تعالى فائدة عظيمة، وهي أن النصف قليل بالإضافة إلى الكل.
قال علي: فإن قال قائل: كيف تحتجون بهذا وأنتم تقولون إن قيام أكثر من ثلث الليل لا يجوز؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا قيام فوق داود، وكان يقوم ثلث الليل بعد أن ينام نصفه ثم ينام سدسه؟ قيل له وبالله تعالى التوفيق:
معنى قوله تعالى: * (قم الليل إلا قليلا) * إنما هو - والله أعلم - إعلام بوقت القيام لا بمقدار القيام، ليتفق معنى الآية والحديث، فكل من عند الله تعالى وما كان من عنده تعالى فلا اختلاف فيه. قال الله عز وجل: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * فصح أن معنى قوله تعالى: * (قم الليل إلا قليلا) * قم في الليل إلا في قليل في نصفه. وهكذا قوله تعالى: * (إن أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه ثلثه) * إنما معناه في أدنى. وقوله تعالى * (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) * مع نهيه على لسان نبيه عن قيام أكثر من ثلث الليل، بيان أن الثلثين قبل الإضافة إلى الكل، لأنهم كانوا يهجعون قليلا وهو الثلثان. ويخرج أيضا على أن ما ههنا جحد محقق، فيكون معناه: كانوا ما يهجعون قليلا من الليل وهو الثلث فأقل، فيكون هذا أيضا حسنا موافقا لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الثلث، وكلا القولين متفق، لأنه إذا هجع الثلثين وقام الثلث، فإن الثلثين قليل بالإضافة إلى الكل، والثلث أيضا كذلك، وبالله تعالى التوفيق . فإن اعترض معترض بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الثلث كثير.
قيل له صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الثلث كثير بالإضافة إلى ما هو أقل منه، وهكذا كل عدد من العالم فألف ألف كثيرا بالإضافة إلى عشرة آلاف، وألف ألف قليل بالإضافة إلى عشرة آلاف ألف.
قال علي: ونقدر أن الذي أقحم هؤلاء القوم في هذه الورطة، تجويزهم للمحتبس س استثناء أقل من الثلث، ولم يجوزوا له استثناء الأكثر من ذلك، فقادهم الخطأ إلى ما هو أشد خطأ منه، وإن أولى الناس بالتقنع إذا ذكر هذا الحديث الذي