منافقين خارجين عن الفضل والرحمة، متبعين الشيطان فهم القليل المستثنون بقوله تعالى: * (إلا قليلا) * واستثنوا من جملة المتفضل عليهم والمرجومين والممتنعين بذلك من اتباع الشيطان، فهو راجع على كل من ذكر في الآية، وبالله تعالى التوفيق وللناس في هذه الآية أقوال فقوم قالوا: هذا الاستثناء راجع إلى قوله تعالى * (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * * (إلا قليلا) *.
قال علي: وهذا خطأ، لان رد الاستثناء إلى أبعد مذكور دعوى ساقطة فاسدة لم يقل بها قط أحد من النحويين وأهل اللغة الذين إليهم يرجع في مثل هذا ، وإنما الناس على قولين كما قدمنا، قوم قالوا: الاستثناء مردود إلى أقرب مذكور ، وقوم قالوا: إلى الجملة كلها، فإن وجد استثناء راجع إلى أبعد مذكور فلا يحمل غيره على حكمه، لأنه بمنزلة ما خرج عن معهود أصله، وكلفظ نقل عن موضوعه وقال بعضهم: * (إلا قليلا) * راجع إلى قوله تعالى: * (أذاعوا به) * أي أذاعوا به إلا قليلا.
قال علي: ويبطل قول هؤلاء بما بطل به قول من ذكرنا قبلهم ولا فرق، وقال بعضهم: فضل الله ورحمته المذكوران في الآية هما: محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن أي لولاهما لكنتم كفارا متبعين الشيطان إلا قليلا ممن هديناه قبل ذلك كزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة.
قال علي: وهذا تأويل فاسد النية، لان زيدا وقسا لولا فضل الله ورحمته لهما لا تبعا الشيطان، والاستثناء إنما هو مخرج لما استثنى من جملة ما استثنى منه، فلا يجوز أن يكون هذا الاستثناء إلا من الفضل والرحمة والامتناع من اتباع الشيطان، الذي ذكر كل ذلك في الآية، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: وحتى لو لم يجز في الاستثناء إلا رده إلى أقرب مذكور، لما كان في ذلك ما يوجب ألا نقبل شهادة القاذف إذا تاب، لان الفسق مرتفع عنه بالتوبة بنص الآية بإجماع الأمة، وإذا ارتفع الفسق ثبتت العدالة ضرورة، لأنه ليس في العالم من المخاطبين إلا فاسق أو عدل، وإذا ثبتت العدالة وجب قبول الشهادة لقوله تعالى: * (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) * فحرام علينا ألا نرضى عمن رضي الله عنه، وإذا كان حراما علينا، ففرضنا الرضا