ألفاظ مختلفة معناها واحد، وإذا كان ذلك فلا فرق بين استثناء ثلاثمائة من ألف لأنها بعض الألف، وبين استثناء تسعة وتسعمائة وتسعين من الألف أيضا لأنها بعض الألف ولا فرق.
فإن قال قائل: إن ربك ألف غير تسعمائة وتسعة وتسعين إذا كان ذلك بمعنى واحد، قيل له وبالله تعالى التوفيق: لو عقلت معنى تسمية ربك تعالى لم تسمنا هذا، ونحن لا يحل عندنا أن نقول: إن الله تعالى فرد ولا أنه فذ ولا نقول إلا واحد وتر كما جاء النص فقط، لان كل ذلك تسمية، ولا يحل تسمية الباري تعالى بغير ما سمى به نفسه، ومن فعل ذلك فقد ألحد في أسمائه، وهو تعالى ليس عددا وإنما يسمى ما دونه واحدا على المجاز وإلا فليس في العالم واحد أصلا لان الواحد الذي لا يتكثر البتة، وليس هذا في العالم البتة حاشا الله تعالى وحده، وبالله تعالى التوفيق.
فإن قال قائل: فأخر استثناء الجملة كلها، قيل له: هذا لا يجوز، لأنه كان يتكون أحد الخبرين مبطلا للآخر، ومكذبا له كله، لأنه إذا قال: أتاني إخوتك إلا إخوتك كأن قد قال: أتاني إخوتك لم يأتني إخوتك، وهذا تناقض وتكاذب وخلف من الكلام، ومحال لا يجوز أصلا، وليس هذا المحال موجودا في استثناء الأكثر من جملة يبقى منها الأقل، ولا في استثناء الشئ من غير جنسه، ألا ترى أنك إذا قلت: أتاني إخوتك، ولم يأتني بنو عمك، وأتاني إخوتك، ولم يأتوني كلهم لكن بعضهم، فهذان الخبران صدق إذا صدق فيهما، والاخبار بهما صحيح حسن، فهذا فرق ما بين استثناء الجملة كلها وبين استثناء أكثرها، واستثناء الشئ من غير جنسه.
وقد قال قائلون: إن من لفظ بعموم في خبره، فلا بد له أن يبقي - إن استثنى من جنس تلك الجملة - ما يقع عليه اسم عموم، ولم يجوزوا أن يقول القائل:
أتاني إخوتك، لم يأتني كلهم ولكن أتاني واحد منهم، وقالوا: إن الآتي ليس إخوة ولكنه أخ، فلا يستثنى إلا بأن يبقى ثلاثة فصاعدا.