وقال تعالى في الآية التالية لها: * (فأصلحوا بين أخويكم) * فأمر بالاصلاح بين الاثنين كما أمر بالاصلاح بين الجماعة.
قال علي: وهذا لا حجة لهم فيه، لان الطائفة كما ذكروا تقع على الواحد والاثنين والأكثر، فإذا أخبر عنهما بلفظ الجمع، فالمراد بهما الجمع، والمراد بالطائفتين في أول الآية المذكورة الكثير منهم، ومعنى قوله تعالى: * (فأصلحوا بينهما) * أي بين الجماعتين المقتتلتين، ثم علمنا تعالى وجوب الاصلاح بين الاثنين كوجوبه بين الكثيرين بقوله تعالى: * (فأصلحوا بين أخويكم) * وحمل الآية على ما نقول هو الذي لا يجوز غيره، لأنه عموم لكيفية الاصلاح بين الكثير والقليل ولو كان ما ظن مخالفنا، لما علمنا فيها الاصلاح بين الاثنين فقط وهذا خطأ.
واحتجوا بقوله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: * (كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون) * ولم يقل معكما.
قال علي: وهذا لا حجة لهم فيه، لأنهم ثلاثة بلا شك، المرسلان وفرعون المكلم المرسل إليه، فالمستمعون ثلاثة بيقين.
قال علي: فإن قد بطل احتجاجهم بكل ما احتجوا به، فلنقل في بيان صحة مذهبنا ، وبالله تعالى التوفيق.
فنقول: إن الألفاظ في اللغة إنما هي عبارات عن المعاني، ولا خلاف بين القرب في أن الاثنين لهما صيغة في الاخبار عنهما، غير الصيغة التي للثلاثة فصاعدا ، وإن للثلاثة فصاعدا - إلى ما لا نهاية له من العدد - صيغة غير صيغة الخبر عن الاثنين، وهي صيغة الجمع، ولا خلا ف بين أحد من أهل اللسان في أنه لا يجوز أن يقال قام الزيدون، وأنت تريد اثنين. ولا جاءني الهندات، وأنت تريد اثنتين ، وضمير الغائب موضوع بلا خلاف بين أحد من أهل اللسان في موضع اسم الغائب ومبدل منه، فلا يجوز أن يبدل ضمير الجماعة إلا من الجماعة، ولا ضمير الاثنين إلا من الاثنين، ولو كان ذلك لوقع الاشكال وارتفع البيان، وكذلك المخاطبات لا يجوز البتة أن نقول لاثنين: قمتم وقعدتم، وإنما يقال: قمتما وقعدتما: ولا يقال لاثنين: قمتن، ولا يقال للنساء: قمتما، وإنما قال: قمتن، فصح ما قلنا بحكم ظاهر اللغة التي بها نزل القرآن وبها تكلم النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى مفهومها نرجع