وحق مقطوع به في دين الله عز وجل. ثم اختلفنا، فقالت طائفة: هو شئ غير القرآن وغير ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه: أن يجتمع علماء المسلمين على حكم لا نص فيه، لكن برأي منهم أو بقياس منهم عن منصوص. وقلنا نحن: هذا باطل ولا يمكن البتة أن يكون إجماع من علماء الأمة على غير نص - من قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - يبين في أي قول المختلفين هو الحق، لا بد من هذا فيكون من وافق ذلك النص، هو صاحب الحق المأجور مرتين، مرة على اجتهاده وطلبه الحق، ومرة ثانية على قوله بالحق واتباعه له. ويكون من خالف ذلك النص - غير مستجيز لخلافه، لكن قاصدا إلى الحق مخطئا - مأجورا أجرا واحدا على طلبه للحق، مرفوعا عنه الاثم إذا لم يعمد له. وقد تيقن أيضا أن لا يختلف المسلمون في بعض النصوص، ولكن يوقع الله عز وجل لهم الاجماع عليه كما أوقع تعالى بينهم الاختلاف فيما شاء أن يختلفوا فيه من النصوص.
واحتجت الطائفة المخالفة لنا بأن قالت: قال الله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) *. قالوا: فافترض الله طاعة أولي الامر، كما افترض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكما افترض طاعة نفسه عز وجل أيضا ولا فرق. فلو كان عز وجل إنما افترض طاعتهم فيما نقلوه إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان لتكرار الامر بطاعتهم بمعنى، لأنه يكتفي عز وجل بذكر طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فقط، لأنها على قولكم معنى واحد، فصح أنه إنما افترض عز وجل طاعتهم فيما قالوه برأي أو قياس، مما ليس فيه نص عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: وجمعوا في استدلالهم بهذه الآية إلى تصحيح الاجماع، تصحيح القول بالرأي والقياس فيما ظنوا، وقالوا أيضا: قال عز وجل: * (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه) * قالوا: وهذه كالتي قبلها، وقالوا أيضا: قال الله عز وجل: * (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم) * قالوا: فتوعدوا على مخالفة سبيل المؤمنين أشد الوعيد، فصح فرض اتباعهم فيما أجمعوا عليه، من أي