* (إن أتبع إلا ما يوحى) * وإذ يقول عز وجل مخبرا عنه صلى الله عليه وسلم:
* (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * فأخبر تعالى عن أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق البتة إلا بوحي يوحى إليه، وأنه لا يتبع البتة إلا ما يوحي الله تعالى إليه فقط، فمن كذب ربه فلينظر أين مستقره.
وإذا جوزتم أن يجمع الناس على شرائع يحدثونها لم يوح بها الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ولا بينها رسوله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يكذب من قال هذا، إذ يقول:
* (ليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم) * فالدين قد كمل وما كمل فلا مزيد فيه أصلا. وأما تكرار الله تعالى الامر بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بعد أمره بطاعة نفسه تعالى، وتكراره الامر بطاعة أولي الامر بعد أمره بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان كل ذلك ليس فيه إلا طاعة ما أمر الله به فقط لا ما لم يأت به الوحي منه عز وجل، فوجه ذلك واضح وهو بيان زائد، لولا مجيئه لالتبس على بعض الناس فهم ذلك الامر، وذلك أنه لو لم يأمرنا الله تعالى إلا على الامر بطاعته فقط، لتوهم بعض الجهال أنه لا يلزمنا إلا ما قاله تعالى في القرآن فقط، وأنه لا يلزمنا طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاءنا به مما ليس في نص القرآن، فلما أمر تعالى مع طاعته بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ليظهر البيان ولم يمكن أن يمنع من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمرنا إلا معاند له. ولو لم يأمرنا تعالى إلا على الامر بطاعة أولي الامر منا لأمكن أن يهم جاهل فيقول: لا يلزمنا طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فيما سمعنا منه مشافهة. فلما أمرنا تعالى بطاعة أولي الامر منا ظهر البيان في وجوب طاعة ما نقله إلينا العلماء عن النبي صلى الله عليه وسلم فقط، فبطل أن يكون لهاتين الآيتين متعلق، والحمد لله رب العالمين.
فإن قالوا: لو كان هذا لمكان قوله تعالى: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) * معنى، لا ن ما جاءنا عن الله تعالى وعن النبي صلى الله عليه وسلم فواجب قبوله، اتفق عليه أو اختلف فيه، فأي معنى للفرق وبين أمره تعالى بطاعة أولي الامر، ثم أمره بالرد عند الشارع إلى الله ورسول؟
قلنا: ليس في قوله تعالى: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) * خلاف لامره تعالى بطاعة أولي الامر، بل كل ذلك ليس فيه إلا طاعة القرآن