ولو لم يبينوه لكانوا ملعونين، ولو بينوه لعلمه الناس، ولو علمه الناس لكان محكما لا متشابها. ولتساوى فيه الراسخون وغيرهم، وهذا ضد ما قال تعالى، فبطل بذلك قول من ظن أن الراسخين يعلمونه وأما ذمه عليه السلام من جهل تلك المتشابهات إن وقع حولها، فإنما ذلك بنص الحديث خوف مواقعة الحرام البين، فصح أن تلك المتشابهات ليست حراما في ذاتها على من جهلها خاصة، ليست حراما عليه، إذ لم يبلغه تفصيل تحريمها عليه، ولكن الورع أن يتركها خوف وقوعه في الحرام البين.
قال أبو محمد: وبين صحة قولنا في هذا الباب ما حدثناه عبد الله بن يوسف، عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب بن عيسى بن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم، ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، ثنا يزيد بن إبراهيم التستري، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب) * قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم.
قال أبو محمد: فقد حذر عليه السلام ممن اتبع ما تشابه من القرآن، وقد علمنا أن اتباع أحكامه كلها فرض، فصح أن المتشابه هو غير ما أمرنا بتدبيره والتفقه فيه كما ذكرنا.
وقد تأول قوم في قوله تعالى: * (وما يعلم تأويله إلا الله) * إن ذلك نزل في قوم من المنافقين كانوا يعترضون على التنازل من القرآن ويقولون لعله سينزل غدا نسخه، فيحملون معنى تأويله على أنه مآله. أي لا يعلم النازل من القرآن أينسخ أم لا لا إله إلا الله تعالى.
قال أبو محمد: وهذا فاسد لأنه دعوى بلا برهان، وما كان هكذا هو باطل بيقين. لقول الله تعالى: * (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) وتخصيص ما يقتضيه كلام الله تعالى ما لم يقل وكذب عليه، نعوذ بالله من هذا، وليكن هذا تخصيصا