الذي نهينا عن تتبعه. ومنها وعد أمرنا وحضضنا على العمل لاستحقاقه، ووعيد حذرنا منه، وكل ذلك مما أمرنا به بالفكرة فيه لنجتهد في طلب الجنة، ونفر عن النار، فأيقنا أن ذلك ليس من المتشابه الذي نهينا عن تتبعه.
فلما علمنا أن كل ما ذكرنا ليس متشابها، وعلمنا يقينا أنه ليس في القرآن إلا محكم ومتشابه، وأيقنا أن كل محكم فلما أيقنا ذلك ضرورة علمنا يقينا أن ما عدا ما ذكرنا هو المتشابه، فنظرنا لنعلم أي شئ هو فنجتنبه ولا نتتبعه - وإنما طلبناه لنعلم ماهيته لا كيفيته ولا معناه، فلم نجد في القرآن شيئا غير ما ذكرنا، حاشا الحروف المقطعة التي في أوائل بعض السور، وحاشا الأقسام التي في أوائل بعض السور أيضا فعلمنا يقينا أن هذين النوعين هما المتشابه الذي نهينا عن اتباعه، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من المتبعين له، وكذلك وجدنا عمر رضي الله عنه، قد أوجع صبيا على سؤاله عن تفسير والذاريات. فصح ضرورة أن هذين القسمين هما المتشابه الذي نهينا عن ابتغاء تأويله، إذ لم يبق بعد ما ذكرنا مما أمرنا بتتبعه إلا هذان النوعان، فلم يبق غيرهما، فحرام على كل مسلم أن يطلب معاني الحروف المقطعة التي في أوائل السور. مثل: * (كهيعص) * و * (حم عسق) * و * (ن) * و * (ألم) * و * (ص) * و * (طسم) * وحرام أيضا على كل مسلم أن يطلب معاني الأقسام التي في أوائل السور، مثل: * (والنجم) * و * (الذاريات) * * (والطور) * * (والمرسلات عرفا) * * (والعاديات ضبحا) * وما أشبه ذلك.
قال أبو محمد: وقد قال قوم: إن المتشابه هو ما اختلف فيه من أحكام القرآن.
قال أبو محمد: وهذا خطأ فاحش، لان هذا القول دعوى ورأي من قائله لا برهان على صحته، وأيضا فإن ما اختلف فيه، فلا بد من أن الحق في بعض ما قيل فيه موجود واضح لمن طلبه برهان ذلك قوله تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * وقوله تعالى: * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * فالبيان مضمون موجود، فمن طلبه طلبا صحيحا وفقه الله تعالى، وأيضا فإن الاحكام المختلف فيها فرض علينا تتبعها، وابتغاء تأويلها، وطلب حكمها الحق فيها والعناية بها والعمل بها، وأما المتشابه فحرام علينا بالنص تتبعه وطلب معناه، فبطل بذلك أن يكون المختلف فيه متشابها. وإذا بطل ذلك صح أنه محكم، ولا يضر الحق جهل