من جهل، ولا اختلاف من اختلف فيه.
وقال آخرون: المتشابه هو ما تقابلت فيه الأدلة.
قال أبو محمد: وهذا خطأ فاحش، لأنه دعوى من قائله بلا برهان، ورأي فاسد، ولأن تقابل الأدلة باطل، وشئ معدوم لا يمكن وجوده أبدا في الشريعة، ولا في شئ من الأشياء، والحق لا يتعارض أبدا. وإنما أتى من أتى في ذلك لجهله بيان الحق، ولاشكال تمييز البرهان عليه مما ليس ببرهان، وليس جهل من جهل في إبطال الحق. ودليل الحق ثابت لا معارض له أصلا. وقد بينا وجوه البراهين في كتابنا التقريب وكتابنا الموسوم بالفصل، وفي كتابنا هذا ولا سبيل إلى أن يأمرنا تعالى بطلب أدلة قد ساوى فيها بين الحق والباطل، ومن نسب هذا إلى الله تعالى فقد ألحد، وأكذبه ربه تعالى إذ يقول: * (تبيانا لكل شئ) * وإذ يقول تعالى: * (قد تبين الرشد من الغي) * وبقوله تعالى: * (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) * فصح أن متشابه الاحكام الذي ذكر صلى الله عليه وسلم أنها لا يعلمها كثير من الناس مبينة بالقرآن والسنة، يعلمها من وفقه الله تعالى لفهمه من الفقهاء الذين أمر عز وجل بسؤالهم إذ يقول تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) *.
وقد قال قوم إن قوله تعالى: * (والراسخون في العلم) * معطوف على الله عز وجل.
قال أبو محمد: وهذا غلط فاحش، وإنما هو ابتداء وخبره في: * (يقولون) * والواو لعطف جملة على جملة. وبرهان ذلك أن الله حرم تتبع ذلك المتشابه، وأخبر أن متبعه وطالب تأويله زائغ القلب مبتغي فتنة، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم ممن اتبعه، ولا سبيل إلى علم معنى شئ دون تتبعه وطلب معناه، فإذا كان التتبع حراما فالسبيل إلى علمه مسدود، وإذا كانت مسدودة فلا سبيل إلى علمه أصلا، فصح أن الراسخين لا يعلمونه أبدا، وأيضا فإن فرضا على العلماء بيان ما علموا الناس كلهم يقول الله تعالى: * (لبينه للناس ولا يكتمونه) * وبقوله عز وجل: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) *.
قال أبو محمد: فلو علمه الراسخون في العلم، لكان فرضا عليهم أن يبينوه للناس