بل يلزم منه فرض وجوده قبل تحققه، ويوضح الحال القيود المأخوذة في متعلقات الاحكام مع كونها خارجة عن دائرة الاختيار، فقوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل،) يحكى عن أن الامر تعلق بأمر مقيد بالوقت، وانه فرض تحقق الوقت في محله قبل وجوده وهنا نقول إذا أمر الامر بشئ بقصد الامر فقد اخذ الامر مفروض الوجود فرضا مطابقا للواقع ولا معنى لمطابقته الا كونه متحققا في محله.
(والحاصل) ان هذه الوجوه الثلاثة مع كونها متقاربة المضمون لا تصلح للمانعية لان مرجع الأول إلى عدم تصور الشئ قبل وجوده وهو لا ينبغي ان يصدر عمن تأمل فيما يفعله يسيرا، إذ الأفعال الاختيارية الصادرة عن الانسان يكون تصورها مقدما على وجودها كما أن، البرهان الثاني مبنى على أساس منهدم في محله إذ الامر متعلق بالطبايع المتصورة الذهنية لا بقيد التحقق الذهني، دون الخارج، وهى متقدمه بقيودها على الامر فلا يلزم تقدم الشئ على نفسه، كما أن الوجه الثالث مشتمل على مغالطة بينة حيث إن فرض تحقق الشئ قبل وجوده، غير تحققه كذلك فتدبر واجد فتجد وهناك وجه آخر لتقرير امتناعه الذاتي وملخصه: ان التكليف بذلك المقيد موجب للجمع بين اللحاظ الالى والاستقلالي، لان الموضوع بقيوده لابد وأن يكون ملحوظا استقلالا، والامر بما انه طرف لإضافة القيد المأخوذ في الموضوع لابد من لحاظه أيضا استقلالا، والامر بما انه آلة البعث إلى المطلوب لا يلحظ الا آلة إليه فيجمع فيه بين اللحاظين المتنافيين (انتهى) والعجب أن القائل كيف لم يتفطن على أن اللحاظين المتنافيين لم يجتمعا في وقت واحد، وان اللحاظ الاستقلالي مقدم على الالى منهما، إذ قد عرفت ان الموضوع بتمام قيوده ومنها قصد الامر، على المفروض، مقدم تصورا على الامر والبعث به فاللحاظ الاستقلالي المتعلق بالموضوع في ظرف التصور وقيوده، متقدم على الانشاء وعلى الاستعمال الالى.
هذا حاله في عالم التصور، واما تقييد الموضوع في مقام الانشاء الالى فلا محيص عن تصور ذلك الامر الالى في مرتبة ثانية بنحو الاستقلال حتى يرد عليه القيد، بل هذا هو الطريق الوحيد في تقييد المعاني للحرفية إذ الظرف في قولنا زيد في الدار يوم الجمعة قيد للكون الرابط الذي هو معنى حرفي وهو ملحوظ في وقت التقييد استقلالا وفي لباس المعنى الأسمى