فإنك إذا قطعت النظر عن ورود هيئة الامر تجد دلالة الحرفين على نسبتي الابتدائية و الانتهائية بين طبيعة السير المنقطع من الطرفين دلالة تصورية من غير تكثر في محكيها وإذا بعث إلى هذا السير المحدود من الطرفين القابل للانطباق على افراد كثيرة صارت الحدود متكثرة بالتبع - وان أبيت عن ذلك فلنا ان نقول في مثل (كل رجل في الدار) ان الحرف مستعمل في معنى جزئي وينحل بنظر العرف إلى كثيرين نظير انحلال الحكم الواحد المنشأ بانشاء واحد إلى احكام عديده.
القول في الهيئات وحيث انتهى الكلام إلى هنا لا بأس بصرف عنانه إلى تحقيق القول في معاني الهيئات والبحث عن كل واحد منها بعد ما لم يكن لها ميزان كلي - فنقول: ان من المسلمات عند أكابر القوم هو تركب القضايا، موجباتها وسوالبها ومعدولاتها، من اجزاء ثلثة، الموضوع والمحمول والنسبة، وهم يرون ان لجميعها محكيات في الخارج، وان الألفاظ من حيث إنها نقوش الخارج ومرايا الواقع، مشتملة على ما اشتمل عليه الواقع من الاجزاء الثلاثة:
(هذا) ولكنك إذا تأملت حقه تجد الحمليات عارية عن النسبة كافة في جميع المراحل، لفظية كانت أو معقولة أو خارجية - ومجمل القول في ذلك انك لا تجد اثرا من النسبة في محكى قولنا: (الانسان انسان) لامتناع جعل الربط بين الشئ ونفسه لاستلزامه جواز سلب الشئ عن نفسه وكونه غير نفسه خارجا ليجعل بينهما الربط ويحصل الإضافة ولا في قولنا (الانسان حيوان ناطق) إذ ليس الحد غير المحدود بل هو نفسه، وانما يفترقان بالاجمال والتفصيل، وليس الغرض الا بيان الهوهوية لا حصول أحدهما للاخر - ولا في قولنا (زيد موجود) لاستلزامه وقوع الماهية التي ليست في ذاتها شيئا طرف النسبة في الخارج وأن تكون في قبال الوجود في الخارج وأن يكون زائدا عليها فيه وأوضح من ذلك قولنا: (الله تعلى موجود) مع أنه الوجود البحث لا يدانيه شوب التركيب ولا يقرب منه وهم الاثنينية ولا تحيط به الماهية والحدود - وكذلك قولنا: (زيد ممكن أو شريك الباري ممتنع) إذ لو اشتملا على النسبة الخارجية لزم كون الامكان والشيئية من الأمور العامة الزائدة على موضوعاتها خارجا - ومثلها قولنا: (البياض أبيض) مما حمل فيه المشتق على مصداقه الذاتي، لامتناع توسط النسبة بين الشئ ومصداقه الحقيقي.