قلت: إن كان المراد من هذا الوجه ان الطلب الوجوبي لا يحتاج إلى بيان زائد بخلاف الاستحبابي، ففيه انه يرجع إلى الوجه الأول وقد عرت جوابه، وإن كان الغرض هو ان الآمر بصدد ايجاد الداعي في ضمير المأمور لأجل تحصيل المأمور به فهو مسلم ولكن لا يفيد ما رامه، إذ البعث لأجل احداثه أعم من الالزامي وغيره، وإن كان المقصود دعوى ان كل آمر بصدد تحصيل المأمور به على سبيل اللزوم فمع كونها مصادرة، ممنوعة، لان الأوامر على قسمين (وهناك) تقريب آخر، افاده شيخنا العلامة من أن الحمل على الوجوب لأجل ان الإرادة المتوجهة إلى الفعل تقتضي وجوده ليس الا والندب انما يأتي من قبل الاذن في الترك منضما إلى الإرادة المذكورة، فاحتاج الندب إلى قيد زائد بخلاف الوجوب فإنه يكفي فيه تحقق الإرادة فقط ثم أفاد، الحمل إليه لا يحتاج إلى مقدمات الحكمة لأجل استقرار الظهور العرفي بمجرد عدم ذكر القيد في الكلام، ونظير ذلك قولنا أكرم كل رجل إذ لا نرى من أنفسنا في الحكم بالعموم في افراد الرجل، الاحتياج إلى مقدمات الحكمة في لفظ الرجل بحيث لولاه كنا نتوقف في المراد من القضية المذكورة (انتهى) والعارف، بما أسلفناه في توضيح الإرادة القوية والضعيفة وما سيأتي منا في توضيح الأحكام الخمسة، يقف على الخدشة فيما افاده، إذ الوجوب والندب من الأمور الاعتبارية ينتزع من نفسه البعث باعتبار مباديه، إذ البعث الصادر عن الإرادة الشديدة ينتزع منه الوجوب، كما أن الصادر عن الضعيفة ينتزع منه الندب، لا ان الندب يأتي من قبل الاذن في الترك منضما إلى الإرادة المذكورة (وبعبارة أوضح) ان الإرادة في الوجوب والندب مختلفة مرتبة كما تقدم ولا يمكن أن تكون الإرادة فيهما واحدة ويكون الاختلاف بأمر خارج (فح) فالإرادة الحتمية نحو اقتضاء لها، ليس لغير الحتمية واما قياسه نفى الاحتياج إلى مقدمات الحكمة، على القضية المسورة بلفظة كل فغير صحيح، إذ عدم الاحتياج في المسورة بلفظة كل (وسيوافيك تفصيله في مباحث العموم) لأجل بيان لفظي بالنسبة إلى نفس الافراد دون أحوالها، إذ سور القضية متعرض وضعا لكل فرد فرد بنحو الجمع في التعبير، ومع البيان كذلك لا معنى لاجراء المقدمات بخلاف المقام (نعم) هنا اشكال آخر يرد على كل من قال بدلالة الامر على الوجوب أو الندب بأي دليل تمسك، ومن قال باستعماله فيهما حقيقة أو مجازا إذ انتزاعهما أو اعتبارهما، (على الفرق المقرر في محله بين الانتزاعيات والاعتباريات) ان
(١٠٩)