فعلية باقتضاء ذاته لا بمؤثر خارجي.
وحينئذ فلك أن تجعل مثل هذه الشرائط خصوصا مثل العلم بالمصلحة بلا مزاحم مرجحا لإعمال الاختيار بطرفه بلا كونه مؤثرا فيه، وحينئذ لا يكون هذا الإعمال في طرف وجود المرجح إلا عين اختياره الذي هو من صفات ذاته بلا تعلل.
وهذا غاية ما لنا من البيان في دفع الشبهة المعروفة وبه التكلان من وسوسة الشيطان في مثل هذا الميدان وحينئذ نرجع إلى المقصد فنقول:
انه بعد ما [اتضح] فساد شبهة الجبرية في اختيارية أعمال العباد [ترتفع] أيضا شبهة انعزال العقل عن الحكم باستحقاق العاصي للعقوبة والمطيع للثواب، إذ لا أظن انكارهم التحسين والتقبيح في موضوع الاختيار وان شبهتهم في هذا المصداق دعاهم [إلى] الانكار، كما [نحن أيضا] معترفون بانعزال العقل عن حكمه على فرض تسليم جبرية العباد - العياذ بالله -، وإنما همنا رفع هذه الشبهة.
وبعد حكم العقل بالاستحقاقين لا يبقى مجال للالتزام بجعلية الثواب والعقاب. نعم ربما لا يلتفت المكلف في المعاصي مقدار العقوبة والمثوبة ولو من جهة جهله باهتمام الحكيم في مثله، فيرشد الحكيم إليه [تنبها] على مقدار اهتمامه به، فليس ذلك من باب الجعل بلا استحقاق حينئذ.
والعجب ممن قال باختيارية العباد وعدم انعزال العقل عن الحكم رأسا ومع ذلك التزم بجعلية الثواب والعقاب في باب الإطاعة والعصيان.
وما أوهمه في ذلك إلا ما ورد من الآيات والأخبار في ثواب الاعمال وعقابها، وغفل عن كون ذلك كله ارشادا إلى حكم العقل في أصله، والى بيان مقدار الاهتمام في تحديده كما هو الشأن في أمره بإطاعة أمره والانتهاء عن نهيه فان ذلك كله ليس إلا [ارشادا] إلى ما يحكم به العقل بفطرته كما لا يخفى.