وأصعب من البيان الصادر عن المعاصر المزبور. خيال بعض آخر [بأنه] لا يكون المراد من الفعل الاختياري إلا مجرد نشوه عن الإرادة بلا وجود صفة أخرى في البين.
وذلك - مضافا إلى أن دائرة الاختيار ربما [تكون] أوسع من الإرادة، إذ ربما يكون الفعل اختياريا ولو بتوسيط اختيارية لازمه ولا يكون إراديا ولو بالواسطة لعدم الملازمة بين إرادة شئ وإرادة لازمه، ولذا لا يكون الأمر مقتضيا للنهي عن ضده على منع المقدمية - ان الإرادة بعد ما لم [تكن] من لوازم وجوده فلا محيص من كونه مستندا إلى الإرادة وجعل مستقل أزلي فقهرا يصير مجبورا في هذه الإرادة، فأين يكون له اختيار في تركه؟
وتسميته العمل بمجرد توسط الإرادة المجبورة بالاختيارية لا يصحح حقيقة الاختيار وروحه.
وهذا بخلاف ما لو بنينا بان في البين [صفة] أخرى وهو معنى: له أن يفعل وله أن لا يفعل من قبل نفسه بلا اعمال جعل أزلي في هذه الصفة، ولا يعلل مثله بإرادة أزلية متعلقة بنفسه.
فلا شبهة حينئذ أن العقل ينال من مثله روح الاختيار بحيث ينسب ارادته إليه ولو ببعض مباديه، إذ تعلق الجعل بهذه الإرادة حينئذ ليس على الاطلاق كي يصير مجبورا في ارادته، بل إنما يتعلق به في ظرف اعمال اختياره بطرف الوجود أو العدم، ومعلوم ان اعمال اختياره هذا ليس إلا بعين اختياره لا بجعل آخر أزلي.
ولئن شئت قلت: إن [صفة] " له أن يفعل وله أن لا يفعل ". بعدما كان من لوازم وجود الانسان بحيث لا يعلل بأمر خارجي، هذه الصفة بمنزلة الهيولى لفعلية اعماله وتوجهه إلى طرف من الوجود أو العدم، [تحتاج] هذه الفعلية إلى قابلية المحل المعبر عنه بشرط تحققه، ومهما تحقق شرطة [تصير] هذه الهيولى