ولكن مع ذلك في مقام المناظرة معهم لنا أن ندعي شيئا آخر فنقول بان توضيح فساد مرامهم يقتضي رسم مقدمة وهي:
ان من المعلوم ان عوارض الشئ قد لا يكون من لوازم وجوده ولا ماهيته، وقد يكون من لوازم ماهيته كالزوجية بالنسبة إلى الأربعة أو وجوده كالحرارة للنار، فما كان من قبيل الأول فلا شبهة في أن جعل الشئ وايجاده لا يقتضي وجود وصفه، بل يحتاج وجود الوصف أيضا إلى جعل آخر.
وأما ما كان من قبيل الثاني والثالث فما هو قابل لتعلق الجعل هو الموصوف وأما لازمه [فيتحقق] قهرا بنفس وجود ملزومه واقتضائه بلا احتياج إلى جعل آخر وراء جعل ملزومه، بل بعد جعل الملزوم بالإرادة الأزلية [يوجد] اللازم بنفس اقتضاء الملزوم تبعا له بلا استناده إلى إرادة أزلية أخرى [متعلقة] بذلك اللازم، بل هذا الوجود من لوازم وجود آخر ماهية أو وجودا بلا تعلل وجوده إلا بوجود ملزومه [المنتهي] إلى إرادة أزلية بلا انتهائه إليها زائدا عما عليه ملزومه.
وحيث كان الأمر كذلك فنقول: ان مثل القدرة والعلم بالمصلحة وغيرها من الصفات القابلة للانفكاك عن الانسان ربما يحتاج في تحققها إلى إعمال ارادته تعالى ولو بايجاد أسبابها، ولا يكفي في وجودها مجرد تعلق الجعل بايجاد الانسان، وأما صفة الاختيار من الممكن كونه من لوازم وجود الانسان بحيث لا يحتاج في جعله إلى أزيد من جعل ملزومه، بل ولا أقل من دعوى كونه من لوازم بعض مراتبه لو لم نقل بكونه من لوازم وجوده على الاطلاق.
ولازمه كون الاختيار موجودا بمحض اقتضاء وجود ملزومه بلا كونه معللا بجعل آخر غير جعل ملزومه.
وحينئذ ففي ظرف القدرة والعلم بالمصلحة بلا مزاحم إذا توجه اختياره إلى وجود شئ أو عدمه ربما يترتب العمل عليه [بتوسط] إراداته [المنتهية] إلى اختياره.