الاهتمام في النظر في الأدلة والبحث عن مدارك الأحكام الشرعية وملاحظة الأمارات المؤيدة ما يزيد على المظنة فيكفي فيه ملاحظة الوجدان عن مؤنة البيان - أن ما يكون من الأدلة الشرعية علمية مفيدة للقطع بالواقع في الوقائع، أو محتملة لإفادة اليقين بالواقع، أو قيل بإفادتها لذلك. إما الاجماع أو العقل المستقل، أو الكتاب، أو السنة المتواترة وما بمنزلتها، أو سائر الأخبار المأثورة عن العترة الطاهرة المذكورة في الكتب المعتمدة.
أما الاجماع والعقل الكاشف عن الواقع فلم ينهضا إلا في قليل من الأحكام، ومع ذلك فلا يفيان غالبا بالتفصيل.
وأما الكتاب فهو وإن كان قطعي المتن إلا أنه في الغالب ظني الدلالة، ومع ذلك لا يستفاد منه غالبا إلا أمور إجمالية.
وأما السنة المتواترة وما بمنزلتها فلا توجد إلا في نادر من الأحكام، مع أنها لا تفي غالبا إلا بالأحكام الإجمالية.
وأما سائر الأخبار المأثورة المذكورة في الكتب المعتمدة فهي ظنية بحسب المتن والدلالة، إذ وجود الاختلال الطارئة عليها سندا ودلالة كثيرة قد أشرنا إليها فيما مضى، وقد فصلنا القول في بيان ظنيتها وعدم إفادتها اليقين بالواقع بما لا مزيد عليه، وأوضحنا فساد ما لفقه جماعة من الأخبارية من الشبه في بيان قطعيتها، ولو سلم قطعية تلك الأخبار حسب ما ادعوه، فمن البين أنها لا تفي ببيان جميع الفروع المتجددة على سبيل التفصيل، بل لا بد من التأمل في إدراجها فيما يناسبها من القواعد المقررة في تلك الأخبار. ومن الظاهر أيضا اختلاف الأنظار في ذلك وعدم إمكان تحصيل اليقين غالبا بذلك، كما لا يخفى على من مارس التفريعات الفقهية وأمعن النظر فيما يرد عليه من الفروع المتجددة، فإنه لا مناص غالبا من الأخذ بالظن في الحكم باندراجها في خصوص كل من القواعد المقررة.
وذلك أيضا من الوضوح بمكان لا يحتاج إلى البيان. فإذا تقرر انسداد باب العلم في معرفة الأحكام مع القطع ببقاء التكليف تعين الانتقال إلى الظن، أو الأخذ