والقول بأن الألفاظ موضوعة بإزاء الأمور الواقعية فقضية تعلق التكليف بها تعلقه بالأمور الواقعية، مدفوع.
أولا: بأن تلك الخطابات غير متوجهة إلينا حتى نرجع فيها إلى ظواهر الألفاظ لو سلمنا ظهورها فيها، وإنما المرجع في المقام هو الاجماع على الاشتراك ولم يثبت إلا بمقدار ما أمكننا معرفته علما أو ظنا، لاستحالة التكليف بالمحال في بعضها ولزوم العسر والحرج المنفي في أكثرها.
وثانيا: بأن الألفاظ وإن كانت موضوعة بإزاء الأمور الواقعية إلا أن الخطابات الشرعية واردة على طريق المكالمات العرفية، ومن الظاهر أنهم يكتفون بظاهر أفهام المخاطبين، فلا يجب على الشارع أن يتفحص عن المخاطب أنه هل فهم المراد الواقعي أو لا، فإنه مع عدم إمكانه واقعا لأدائه إلى التسلسل لم يكن بناء الشرع عليه، مع ما يرون من اشتباه المخاطبين في الفهم كما يظهر من ملاحظة الأخبار.
فظهر أنهم كانوا يكتفون بمجرد ظهور المراد والظن به، فلم يعلم من الخطابات المتوجهة إلى المشافهين إلا تكليفهم بما بينوه لهم وأعلموهم أنه الصلاة، أو أمكنهم معرفة أنه الصلاة، ولم يظهر أن الخطابات المتوجهة إليهم كان خطابا بما في نفس الأمر مع عدم علم المخاطبين، حتى يلزمنا ذلك من جهة الاجماع على الاشتراك. فمحصل الكلام: أنه لم يثبت حصول الاشتغال ووقوع التكليف إلا بمقدار ما دل عليه الدليل عندنا إما بطريق العلم أو الظن المعتبر، وما زاد عليه منفي بالأصل. فالقول بأنه بعد حصول الاشتغال لا بد من اليقين بالفراغ مدفوع، بأن المتيقن من الاشتغال ليس إلا مقدار ما قام الدليل عليه، فينفى غيره بالأصل، فإن اعتبار كل جزء أو شرط تكليف زائد، ولذا يعبر عنها بالأوامر والنواهي في الغالب كسائر التكاليف.
الرابع: الأخبار الواردة في المقام الدالة على رفع التكليف بغير المعلوم وأن لا تكليف إلا بعد البيان مما تقدمت الإشارة إلى جملة منها، فإنها شاملة لمحل