ذلك إلى ظاهر كلمات الأوائل والأواخر واستظهر نفي الخلاف فيه، وبعض من يقول بالثاني عزاه إلى أكثر الأصحاب، لما يرون في كلماتهم من الاستناد في ذلك إلى أصالة البراءة تارة والاحتياط أخرى. وكيف كان فالأقوى هو الثاني.
ويدل عليه وجوه:
الأول: أنه إذا تعلق الأمر بطبيعة العبادة المفروضة فقد ارتفعت به البراءة السابقة وثبت اشتغال الذمة بها قطعا، إلا أنه يدور الأمر بين الاشتغال بالطبيعة المشتملة على الأقل، أو المشتملة على الأكثر، وليست المشتملة على الأقل مندرجة في الحاصلة بالأكثر، كما في مسألة الدين، فإن اشتغال الذمة هناك بالأكثر قاض باشتغالها بالأقل، لعدم ارتباط هناك بين الأجزاء بخلاف المقام، إذ المفروض ارتباط بعض الأجزاء بالبعض، وقضاء زوال كل جزء منها بزوال الكل وكونها في حكم العدم الصرف. والقول بأن التكليف بالكل قاض بالتكليف بالجزء قطعا بخلاف العكس لا يثمر في المقام، إذ القدر المعلوم من ذلك تعلق التكليف التبعي بالجزء في ضمن الكل، إلا أن يتعلق به تكليف على الإطلاق ولو انفصل عن بقية الأجزاء.
نعم لو قام الدليل على عدم ارتباط بين الأجزاء في التكليف وعدم اعتبار الماهية المجموعية فيه صح ذلك، والمفروض في محل البحث قيام الدليل على العكس، فضلا عن عدم قيامه على إطلاق التكليف. فحينئذ نقول: إن التكليف بالطبيعة المشتملة على الأكثر لا يقضي باشتغال الذمة بالمشتملة على الأقل، حتى أنه إذا أتى بالأقل حصل به الفراغ على حسبه، ليدور الأمر في الباقي بين حصول التكليف به وعدمه، ليرجح الحكم بالبراءة وعدم التكليف بعد دوران الأمر في الباقي بين اشتغال الذمة وبراءته، وحصول التكليف به وعدمه، كما يقرر ذلك فيما إذا دار التكليف بين الأقل والأكثر في غير المرتبط الأجزاء كما مر، إذ قد عرفت أن التكليف بالأكثر لا يقضي باشتغال الذمة بالأقل كذلك بوجه من الوجوه، بل الإتيان به حينئذ كعدمه. فاشتغال الذمة حينئذ دائر بين طبيعتين وجوديتين