يمكن تقرير هذه الحجة بوجهين:
أحدهما: ما أشرنا إليه من الرجوع إلى العقل بعد إثبات دلالة اللفظ على المنع من إدخال طبيعة الفعل في الوجود، وهذا هو الذي يقتضيه ظاهر الآية.
ويرد عليه حينئذ أن ذلك إنما يقتضي كون الدوام مدلولا التزاميا لطلب ترك الطبيعة، سواء أدي ذلك بصيغة النهي أو بغيره، فلا يفيد وضع الصيغة للدوام، فإن أريد بذلك بيان وضع الصيغة له فهو ظاهر الفساد، وإن أريد به بيان الدلالة الالتزامية فهو متجه، كما مر القول فيه، إلا أنه مخالف لما يظهر من كلامه في آخر المبحث، لظهوره في دعوى الوضع للدوام.
وقد يورد عليه أيضا بأنه إن أريد بالمنع من إدخال الماهية في الوجود دائما فهو أول الكلام، وإن أريد بالمنع من إدخاله في الوجود في الجملة فغاية ما يقتضيه عدم إدخال شئ من أفراد الماهية في الوجود في بعض الأوقات، لصدق عدم إدخال الماهية في الوجود مع عدم إيجاد شئ من أفرادها في بعض الأزمنة.
ويدفعه ما عرفت من أن عدم إيجاد الطبيعة المطلقة لا يصدق إلا بتركها بالمرة، دون ما إذا تركها في وقت وأتى بها في آخر، لظهور صدق إتيانه حينئذ بالطبيعة وهو لا يجامع صدق تركه لها.
غاية الأمر أن يصدق تركه للطبيعة في الزمان المفروض وهو لا يستلزم صدق ترك الطبيعة مطلقا كما عرفت. ويشهد له أن المنع من الترك الحاصل بإيجاب الفعل إنما يقتضي عدم ترك الفعل مطلقا، كيف! ولو صدق ترك الفعل مع ترك جميع أفرادها في آن من الأوان لزم القول بالملازمة بين الأمر والنهي في الدلالة على الدوام، مع أنهم لا يقولون به، فإن وجوب الشئ يستلزم المنع من تركه أو يتضمنه - حسب ما مر - ومع البناء على حصول ترك الشئ بتركه في آن ما يلزم تركه أن يكون تركه في كل آن متعلقا للمنع، بناء على استلزام المنع من الشئ المنع من جميع أفراده في جميع الأزمنة - كما هو مختار القائل بدلالة النهي على الدوام - فلا يصح البناء على الفرق بين الأمرين.