وفيه: أن المناقضة بينهما قد تكون من جهة أن تعلق الأمر بالطبيعة يفيد مطلوبية الفعل في كل آن من الآنات مع عدم فعله في الأول، كما هو قضية الإطلاق فيرجع إلى العموم لكن على سبيل التخيير بين جزئياته، وهو لا يجامع الجزئية المستفادة من النهي، ومع الغض عن ذلك فقد يكون مبنى المناقضة على انصراف إطلاق النهي إلى الدوام لا وضعه له، فإن كان المقصود من الدليل المذكور إفادة الوضع له لم يتم ذلك. ودعوى أصالة كون الدلالة تضمنية عند الدوران بينها وبين الالتزامية وقد عرفت وهنها. وهناك حجج أخرى للقول المذكور موهونة جدا فهي بالإعراض عنها أحرى.
قوله: * (بأنه لو كان للدوام لما انفك عنه... الخ) *.
قد يورد عليه: بأن الكلام حينئذ في الدلالة اللفظية، والتخلف جائز، واقع بالنسبة إليها، كيف! وباب المجاز واسع حتى قيل بأغلبيته على الحقيقة، فالملازمة المدعاة فاسدة جدا.
ويمكن دفعه تارة بأن الكلام هنا في الملازمة العقلية - حسب ما مر - ويحتمله الدليل المتقدم في كلامه، بناء على أن ترك الطبيعة لا يتحقق إلا بترك جميع أفرادها، فيقال لو تم ذلك لجرى في جميع النواهي وليس كذلك. وأخرى بأن التخلف في الدلالات اللفظية إنما يكون بالنسبة إلى الإرادة دون نفس الدلالة، والمفروض حصول الثاني فيما ذكره من المثال، إذ لا يدل نهي الحائض عن الصلاة والصيام على المنع منهما على سبيل الدوام، فذلك وجهان في تقرير الاحتجاج المذكور.
ويمكن الإيراد عليهما: بأن أقصى ما يلزم منها عدم وضع الصيغة لخصوص الدوام وعدم استلزام مدلول الصيغة للدوام مطلقا، حيث حصل الانفكاك بينهما، ولا يلزم منهما عدم وضع الصيغة لما يستلزم الدوام حال الإطلاق، وإن أمكن الانفكاك بينهما بعد قيام القرينة متصلة أو منفصلة على عدم إرادة المطلق، بل هي حينئذ قد تفيد الدوام أيضا على حسب القيد.