من الأحكام مما قضت به الضرورة، أو قام عليه إجماع الأمة أو الفرقة، أو ثبت بالتواتر المعنوي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الأئمة (عليهم السلام) وليس ذلك إلا في قليل من الأحكام، ومع ذلك فلا يثبت بها في الغالب إلا الأمور الإجمالية فلا بد في معرفة التفصيل من الرجوع إلى سائر الأدلة. وشئ منها لا يفيد العلم غالبا، لعدم خلوها عن الظن من جهة أو جهات، وحينئذ فيتعين العمل بالظن لقيام الاجماع، بل الضرورة على مشاركتنا مع الحاضرين في التكاليف وكونه أقرب إلى العلم.
قلت: وتوضيح ذلك أن هناك مقدمات يتفرع عليها حجية مطلق الظن:
أحدها: أن التكاليف الشرعية ثابتة بالنسبة إلينا ولم يسقط العمل بالأحكام الشرعية عنا، فنحن مكلفون بالأحكام مشاركون للموجودين في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)، وهذه المقدمة قد قام عليها إجماع الأمة، بل قضت به الضرورة الدينية.
ثانيها: أن الطريق إلى معرفة تلك الأحكام هو العلم مع إمكان تحصيله، ولا يجوز الأخذ بمجرد الظن والتخمين وسائر الوجوه ما عدا اليقين كما عرفت أولا من أنه مقتضى العقل والنقل.
ثالثها: أن طريق العلم بالأحكام الشرعية منسد في أمثال هذه الأزمنة إلا في نادر منها، لوضوح أن معظم أدلة الأحكام ظنية، وما يفيد القطع منها إنما يدل غالبا على أمور إجمالية يفتقر تفاصيلها إلى إعمال الأدلة الظنية، وقد فرضنا أصل المسألة في هذه الصورة.
رابعها: أنه لا ترجيح عند العقل بين الظنون من حيث المدرك والمستند ولو بعد الرجوع إلى الأدلة الشرعية، إذ لم يقم دليل قاطع على حجية شئ منها بالخصوص. ولو سلم قيام الدليل القاطع على حجية البعض كنصوص الكتاب وبعض أقسام أخبار الآحاد فليس ذلك مما يكتفى به في معرفة الأحكام بحيث لا يلزم مع الاقتصار عليه الخروج عن الدين، فلا بد إذن من الرجوع إلى غيرها، وليس هناك دليل قاطع على حجية ظن بالخصوص فيتساوى بقية الظنون في ذلك.