فالحاصل أنه لا تكليف بالأحكام الواقعية إلا بالطريق الموصل إليها فنختار القول بتكليفنا بالأحكام الواقعية، لكن من الطريق المقرر عند صاحب الشريعة، سواء كان هو العلم أو غيره. فالمكلف به في الظاهر ليس سوى الطريق، فإذا انسد سبيل العلم بالطريق كما اعترف به المستدل فلا بد من الانتقال إلى الظن بما هو مؤداه دون الظن بالواقع كما هو مقصود المستدل، ولا ملازمة بين الأمرين كما لا يخفى.
فإن قلت: إن الانتقال إلى الظن بما جعله طريقا إلى الواقع إنما يلزم في حكم العقل إذا علم بقاء التكليف بالأخذ بالطريق المقرر ولا دليل عليه بعد انسداد سبيل العلم، إذ لا ضرورة قاضية به كما اقتضت ببقاء التكليف في الجملة بطريق ما مما لا مناص عنه في استنباط الأحكام فلا بد حينئذ من طريق مقرر عند الشارع بحسب الواقع لمعرفة الأحكام والوصول إليها ولو مع انسداد باب العلم بنفس الطريق المقرر للاستنباط، إذ لا مناص عن العمل ولا عن الأخذ بطريق من الطرق. وحينئذ فإذا لم يمكن العلم بذلك الطريق تعين الأخذ بظنه، حسب ما قرر في الدليل المذكور.
والحاصل: أن للشارع حينئذ طريقا لمعرفة الأحكام، إذ المفروض عدم سقوط التكليف بها، فإذا انسد سبيل العلم به تعين الأخذ بظنه. فما ذكر في الإيراد من احتمال سقوط التكليف بالأخذ بالطريق المقرر إن أريد به سقوط الأخذ بالطريق المقرر مطلقا فهو واضح الفساد، فإنه لا يقوم ذلك الاحتمال إلا إذا احتمل سقوط التكليف بغير المعلومات وأما مع بقائه فلا يعقل سقوط التكليف بالأخذ بطريق موصل إليها في حكم الشارع، إذ لا بد حينئذ من طريق يوافق رضاه وهو المراد من الطريق المقرر، مضافا إلى أنه بعد تسليم طريق مقرر من الشارع من أول الأمر وعلم المكلف به إجمالا لا يجوز عند العقل ترك الأخذ به مطلقا مع عدم ثبوت سقوط الأخذ به، بل يحكم حينئذ بتقديم الأخذ بالظن به عند انسداد سبيل العلم إليه على ترك الأخذ لمجرد احتمال سقوطه مع ظن خلافه، فيقدم الظن حينئذ