الثاني:
إنه كما قرر الشارع أحكاما واقعية كذا قرر طريقا للوصول إليها إما العلم بالواقع أو مطلق الظن أو غيرهما قبل انسداد باب العلم وبعده، وحينئذ فإن كان سبيل العلم بذلك الطريق مفتوحا فالواجب الأخذ به والجري على مقتضاه، ولا يجوز الأخذ بغيره مما لا يقطع معه بالوصول إلى الواقع من غير خلاف فيه بين الفريقين، وإن انسد سبيل العلم به تعين الرجوع إلى الظن به، فيكون ما ظن أنه طريق مقرر من الشارع طريقا قطعيا حينئذ إلى الواقع نظرا إلى القطع ببقاء التكليف بالرجوع إلى الطريق وقطع العقل بقيام الظن حينئذ مقام العلم حسب ما عرفت ويأتي.
فالحجة إذا ما يظن كونه حجة وطريقا إلى الوصول إلى الأحكام وذلك إنما يكون لقيام الأدلة الظنية على كونه كذلك، وليس ذلك إثباتا للظن بالظن حسب ما قد يتوهم، بل تنزلا من العلم بما جعله الشارع طريقا إلى ما يظن كونه كذلك بمقتضى حكم العقل حسب ما مرت الإشارة إلى نظيره في الوجه المتقدم.
وقد يورد عليه بوجوه سخيفة نشير إلى جملة منها:
أحدها: ما أشرنا إلى نظيره سابقا من أن هذه المسألة من المسائل الكلامية، وانسداد سبيل العلم فيها معلوم البطلان، وقد عرفت وهنه.
ثانيها: أن سبيل العلم بهذه المسألة مفتوح فإن كل من سلك مسلكا في المقام يدعي العلم به من البناء على مطلق الظن أو الظن الخاص، وقد أشرنا سابقا إلى وضوح فساده.
ثالثها: أن الانتقال إلى الظن بما جعله طريقا إنما يكون مع العلم ببقاء التكليف بالأخذ بالطريق المقرر بعد انسداد باب العلم به، وهو ممنوع، إذ لا ضرورة قاضية ببقاء التكليف في تلك الخصوصية لو سلم انسداد باب العلم بها، بخلاف الأحكام الواقعية فإن بعد انسداد باب العلم بها قد قامت الضرورة ببقاء التكليف، وإلا لزم الخروج عن الدين وهو أيضا في الوهن نظير سابقيه، إذ من الواضح أن للشارع