إذا دار الأمر بين إرادة الجنس والعهد فالمعهود مراد بالضرورة، لدخوله تحتهما، والأصل عدم ثبوت الحكم في غيره.
وأنت خبير بأنه لا يعقل فرق بين الوجهين فيما ذكره بعده، بل ما أورده على الأول وارد على الثاني بعينه، لوضوح عدم دلالة الأصل المذكور على استعمال اللفظ في خصوص العهد، كيف! ولو دل عليه الأصل المذكور لدل عليه أصالة البراءة أيضا من غير فرق بينهما في ذلك أصلا، فكون القدر الثابت من اللفظ تعلق الحكم بالمعهود مشترك بينهما.
ثم أورد عليه حينئذ إنه إنما يتم لو لم يحتمل الجنس إرادة وجوده في ضمن فرد ما، فإن المعهود حينئذ غير معلوم المراد جزما.
وفيه أن المعهود أيضا مندرج في المراد لكونه من أحد الأفراد غاية الأمر أن لا يتعين الإتيان به بناء على الجنسية، فهو مطلوب إما بخصوصه أو لحصول المطلوب به، ومطلوبية غيره مع أحد الوجهين غير معلومة فهي أيضا مدفوعة بالأصل، ويوضح الحال في ذلك ما لو تعذر عليه الإتيان بالمعهود، فإن الحكم بوجوب إتيانه بفرد من غير المعهود مما لا دليل عليه، إذ لا يفيد وجوبه إلا مجرد الاحتمال، وهو لا يثبت التكليف، وأصالة عدم وجوب خصوصية المعهود لا يثبت التكليف به، فإن الأصل أيضا عدمه.
فالحق أن يقال: إن التكليف ثابت في المقام ويقين الامتثال حاصل بأداء المعهود دون غيره، فيتعين الإتيان به عند التمكن منه، ولا يثبت تكليف بغيره، ومع عدمه فتحقق التكليف بغيره غير معلوم، فهو مدفوع بالأصل. هذا وكان مقصود الشهيد من التمسك بأصالة البراءة هو قضاء الأصل به في الجملة فيما إذا تعلق التكليف به، كما إذا قال " أكرم العالم، وأغن المسكين، وتصدق بالدينار " إذا تقدمه المعهود، فإن حمله على العموم على خلاف الأصل في مقابلة حمله على المعهود، وإلا فمن البين أنه لو تعلق به الإباحة أو رفع التكليف، كما إذا قال " لا يجب عليك إكرام المسكين، أو يباح لك إعطاء الدرهم " لا معنى حينئذ لدفع العموم بأصل البراءة.