وما ذكر في توجيه قضاء أصالة البراءة بحمله على العهد " من أنه لو حمل على المعهود المتعارف يحصل الحنث بشرب بعض المياه فينحل اليمين، فلا يبقى مانع من الشرب، بخلاف ما لو حمل على العموم لعدم انحلال اليمين " أغرب شئ، لوضوح أن ما يشرب بعد الانحلال وقبله أنه هو بعض من المياه، فعلى العموم لا مانع منه قبل الانحلال لا بعده، فكيف يصح بذلك كون العموم موافقا للأصل دون العهد، على أن الأصل بعد ثبوت التكليف عدم ارتفاعه عن المكلف إلا بعد قيام الدلالة، فالحكم بارتفاع التكليف بمجرد الاحتمال من جهة الأصل المذكور غير متجه، بل قضية الأصل حينئذ خلافه.
ثم إنه لا يخفى أن تعلق التكليف بترك شئ يستحيل صدوره من المكلف - كالطيران في الهواء واجتماع النقيضين - مما لا وجه له، فانعقاد النذر على الوجه المذكور غير متجه، فهو أقوى دليل على عدم إرادة العموم في المثال على الوجه المذكور. وأصالة حمل فعل المسلم على الصحة يقتضي عدم قصده ذلك من غير حاجة إلى ملاحظة ما ذكر لو صح التمسك به هذا.
وما ذكره في الفرع الثاني: إنه إذا حلف لا يأكل البطيخ قال بعضهم لا يحنث بالهندي إلى آخره. وتوضيحه: أن هناك معهودا في أكل البطيخ بحسب المقدار ومعهودا بحسب الجنس منه، من الهندي وغيره، فلو حمل البطيخ على العموم بالنسبة إلى الأول لم يحنث بأكل شئ منه. لا من الهندي ولا من غيره. ولو حمل ذلك على المعهود، كما ذكره في الفرع الأول، فإن كان هناك جنس خاص معهود حنث بالأكل منه دون غيره، وإن لم يكن يحنث بأكل أي من القسمين. وملحوظ الشهيد في المقام هو ملاحظة المعهودية الثانية وعدمها، وإلا فهو محمول عنده على المعهود الأول كما في مثال الماء من غير فرق. وكذا الحال في الفرع الثالث.
وبذلك يندفع ما أورد على قوله في المثال السابق، إذ لو حمل على العموم لم يحنث بأن في صورة العموم يحصل الحنث، كما إذا جعل البطيخ أعم من الهندي على سبيل المساواة، لما عرفت من عدم ارتباط أحد المعهودين بالآخر، وحصول