فإن قلت: إن غلبة إطلاق المطلق على الشائع إن كان مع ملاحظة الخصوصية لزمه التجوز في الإطلاق، وإن كان من دون ملاحظة الخصوصية بأن لا يلاحظ في المقام إلا المفهوم العام الذي وضع اللفظ بإزائه فلا ثمرة لغلبة الإطلاق في انصراف المطلق إلى الشائع، إذ لا يراد من اللفظ إلا معناه العام الشامل للأمرين. غاية الأمر أن يكون ذلك المفهوم حاصلا في الغالب في ضمن مصاديقه الشائعة دون غيرها، وذلك لا يقضي بعدم ثبوت الحكم بمقتضى مدلول ذلك اللفظ لغير الشائع إذا فرض تحققه فيه.
ألا ترى أن غلبة إطلاق الماء على المياه الموجودة عندنا أو الموجودة في زمان الشارع لا يقضي بانصراف إطلاقه عندنا وفي كلام الشارع إليه، وكذا الحال في سائر المفاهيم بالنسبة إلى غلبة إطلاقها على الأفراد الموجودة المتداولة، إذ لا يلاحظ في الإطلاق خصوصية ذلك الوجود أصلا، بل لا يلاحظ فيه إلا المفهوم العام، ولذا لا يقال بانصراف الإطلاق إلى الشائع في مثل ذلك قطعا، فندور وجوده بل وعدمه حينئذ لا يقضي بانصراف الإطلاق عنه، ولذا لو فرض حصوله في المقام على خلاف المتعارف اندرج في الإطلاق قطعا.
ألا ترى أنه لو قال المولى لعبده " اسقني الماء " فأتاه بماء السيل من طي الأرض - مثلا - كان ممتثلا قطعا، فغلبة الإطلاق على الوجه المذكور لا يقضي بانصراف الإطلاق إلى الغالب أصلا.
قلت: إنا لا نقول بعدم ملاحظة الخصوصية في المقام أصلا حتى لا يكون شيوع الإطلاق قاضيا بالانصراف - كما في الصورة المذكورة - بل نقول بملاحظتها في المقام إلا أن تلك الملاحظة لا تستلزم المجازية، وتوضيح ذلك: أن الخصوصية قد تقحم في المفهوم الذي يراد من نفس اللفظ ويستعمل اللفظ فيه، وقد لا يقحم فيه ولكن يراد الخصوصية من الخارج ويلحظ في الاستعمال وإن لم يكن مرادا من نفس اللفظ، وقد لا يكون الخصوصية ملحوظة أصلا، إلا أنه قد أطلق عليه لأنه الموجود على سبيل الاتفاق أو لغلبة وجوده، فلا تكون