تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج ٤ - الصفحة ٤٨١
فأولى (34) ثم أولى فأولى (35) أيحسب الانسان أن يترك سدى (36) ألم يك نطفة من مني يمنى (37) ثم كان علقة فخلق فسوى (38) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى (39) أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى (40) يخبر تعالى عن حالة الاحتضار وما عندها من الأهوال - ثبتنا الله هنالك بالقول الثابت - فقال تعالى " كلا إذا بلغت التراقي " إن جعلنا كلا رداعة فمعناها لست يا ابن آدم هناك تكذب بما أخبرت به بل صار ذلك عندك عيانا وإن جعلناها بمعنى حقا فظاهر أي حقا إذا بلغت التراقي أي انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك والتراقي جمع ترقوة وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق كقوله تعالى " فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين " وهكذا قال ههنا " كلا إذا بلغت التراقي " ويذكر ههنا حديث بشر بن حجاج الذي تقدم في سورة يس والتراقي جمع ترقوة وهي قريبة من الحلقوم " وقيل من راق " قال عكرمة عن ابن عباس أي من راق يرقي وكذا قال أبو قلابة " وقيل من راق " أي من طبيب شاف وكذا قال قتادة والضحاك وابن زيد. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نصر بن علي حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس " وقيل من راق " قال: قيل من يرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ فعلى هذا يكون من كلام الملائكة وبهذا الاسناد عن ابن عباس في قوله " والتفت الساق بالساق " قال التفت عليه الدنيا والآخرة وكذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " والتفت الساق بالساق " يقول آخر يوم في الدنيا أول يوم من أيام الآخرة فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحمه الله وقال عكرمة " والتفت الساق بالساق " الامر العظيم بالامر العظيم وقال مجاهد بلاء ببلاء وقال الحسن البصري في قوله تعالى " والتفت الساق بالساق " هما ساقاك إذا التفتا وفي رواية عنه ماتت رجلاه فلم تحملاه وقد كان عليها جوالا وكذا قال السدي عن أبي مالك وفي رواية عن الحسن:
هو لفهما في الكفن وقال الضحاك " والتفت الساق بالساق " اجتمع عليه أمران: الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه. وقوله تعالى (إلى ربك يومئذ المساق) أي المرجع والمآب وذلك أن الروح ترفع إلى السماوات فيقول الله عز وجل ردوا عبدي إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى كما ورد في حديث البراء الطويل وقد قال الله تعالى " وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين " وقوله جل وعلا (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى) هذا إخبار عن الكافر الذي كان في الدار الدنيا مكذبا للحق بقلبه متوليا عن العمل بقالبه فلا خير فيه باطنا ولا ظاهرا ولهذا قال تعالى " فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى " أي جذلانا أشرا بطرا كسلانا لا همة له ولا عمل كما قال تعالى " وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين " وقال تعالى " إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور - أي يرجع - بلى إن ربه كان به بصيرا " قال الضحاك عن ابن عباس " ثم ذهب إلى أهله يتمطى " أي يختال وقال قتادة وزيد بن أسلم يتبختر.
قال الله تعالى (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى) وهذا تهديد ووعيد أكيد من الله تعالى للكافر به المتبختر في مشيه أي يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك كما يقال في المثل هذا على سبيل التهكم والتهديد كقوله تعالى " ذق إنك أنت العزيز الكريم " وكقوله تعالى (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون) وكقوله تعالى (فاعبدوا ما شئتم من دونه) وكقوله جل جلاله (اعملوا ما شئتم) إلى غير ذلك. وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان الواسطي حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي عن إسرائيل عن
(٤٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 476 477 478 479 480 481 482 483 484 485 486 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تفسير سورة الصافات 3
2 تحطيم الأصنام 14
3 الذبيح إسماعيل عليه السلام 16
4 تفسير سورة ص 29
5 تسبيح الجبال والطير مع سيدنا داود 32
6 تفسير سورة الزمر 48
7 ضرب الأمثال في القرآن 56
8 الحث على التوبة 63
9 تفسير قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره 67
10 النفخ في الصور 69
11 دخول الأشقياء النار 70
12 دخول المتقين الجنة 71
13 ذكر سعة أبواب الجنة 73
14 تفسير سورة المؤمن 75
15 استحباب الدعاء للمؤمنين السابقين 77
16 الامر باخلاص الدعاء لله وحده 79
17 إرسال سيدنا يوسف إلى أهل مصر 85
18 نصيحة مؤمن آل فرعون 87
19 تفسير سورة فصلت 97
20 شهادة الجوارح على الانسان 103
21 فضل الداعي إلى الله 108
22 تفسير سورة الشورى 114
23 تفسير سورة الزخرف 132
24 تفسير سورة الدخان 148
25 تفسير سورة الجاثية 159
26 تفسير سورة الأحقاف 165
27 وفد الجن الذين استمعوا القرآن 175
28 تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم 185
29 تفسير سورة الفتح 196
30 ذكر سبب البيعة 200
31 فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 208
32 قصة صلح الحديبية 209
33 تفسير سورة الحجرات 220
34 تفسير سورة ق 235
35 تفسير سورة الذاريات 247
36 تفسير سورة الطور 255
37 تفسير سورة النجم 264
38 تفسير سورة اقتربت الساعة 279
39 تفسير سورة الرحمن 289
40 تفسير سورة الواقعة 302
41 تفسير سورة الحديد 323
42 تفسير سورة المجادلة 340
43 تفسير سورة الحشر 353
44 أسماء الله الحسنى 366
45 تفسير سورة الممتحنة 368
46 مبايعة النساء 376
47 تفسير سورة الصف 381
48 تفسير سورة الجمعة 387
49 تفسير سورة المنافقين 393
50 تفسير سورة التغابن 398
51 تفسير سورة الطلاق 403
52 تفسير سورة التحريم 411
53 تفسير سورة الملك 421
54 تفسير سورة ن 427
55 تفسير سورة الحاقة 439
56 تفسير سورة المعارج 446
57 تفسير سورة نوح 452
58 تفسير سورة الجن 456
59 تفسير سورة المزمل 462
60 تفسير سورة المدثر 469
61 تفسير سورة القيامة 477
62 تفسير سورة الانسان 483
63 تفسير سورة المرسلات 488
64 تفسير سورة النبأ 492
65 تفسير سورة النازعات 497
66 تفسير سورة عبس 501
67 تفسير سورة التكوير 506
68 تفسير سورة الانفطار 513
69 تفسير سورة المطففين 515
70 تفسير سورة الانشقاق 520
71 تفسير سورة البروج 524
72 تفسير سورة الطارق 531
73 تفسير سورة الاعلى 532
74 تفسير سورة الغاشية 536
75 تفسير سورة الفجر 539
76 تفسير سورة البلد 546
77 تفسير سورة الشمس 550
78 تفسير سورة الليل 553
79 تفسير سورة الضحى 557
80 تفسير سورة الانشراح 560
81 تفسير سورة التين 562
82 تفسير سورة العلق 564
83 تفسير سورة القدر 566
84 تفسير سورة البينة 573
85 تفسير سورة الزلزلة 575
86 تفسير سورة العاديات 578
87 تفسير سورة القارعة 580
88 تفسير سورة التكاثر 581
89 تفسير سورة العصر 585
90 تفسير سورة الهمزة 586
91 تفسير سورة الفيل 586
92 تفسير سورة قريش 591
93 تفسير سورة الماعون 592
94 تفسير سورة الكوثر 595
95 تفسير سورة الكافرون 598
96 تفسير سورة النصر 600
97 تفسير سورة المسد 602
98 تفسير سورة الاخلاص 604
99 تفسير سورة الفلق 610
100 تفسير سورة الناس 615