فأولى (34) ثم أولى فأولى (35) أيحسب الانسان أن يترك سدى (36) ألم يك نطفة من مني يمنى (37) ثم كان علقة فخلق فسوى (38) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى (39) أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى (40) يخبر تعالى عن حالة الاحتضار وما عندها من الأهوال - ثبتنا الله هنالك بالقول الثابت - فقال تعالى " كلا إذا بلغت التراقي " إن جعلنا كلا رداعة فمعناها لست يا ابن آدم هناك تكذب بما أخبرت به بل صار ذلك عندك عيانا وإن جعلناها بمعنى حقا فظاهر أي حقا إذا بلغت التراقي أي انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك والتراقي جمع ترقوة وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق كقوله تعالى " فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين " وهكذا قال ههنا " كلا إذا بلغت التراقي " ويذكر ههنا حديث بشر بن حجاج الذي تقدم في سورة يس والتراقي جمع ترقوة وهي قريبة من الحلقوم " وقيل من راق " قال عكرمة عن ابن عباس أي من راق يرقي وكذا قال أبو قلابة " وقيل من راق " أي من طبيب شاف وكذا قال قتادة والضحاك وابن زيد. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نصر بن علي حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس " وقيل من راق " قال: قيل من يرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ فعلى هذا يكون من كلام الملائكة وبهذا الاسناد عن ابن عباس في قوله " والتفت الساق بالساق " قال التفت عليه الدنيا والآخرة وكذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " والتفت الساق بالساق " يقول آخر يوم في الدنيا أول يوم من أيام الآخرة فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحمه الله وقال عكرمة " والتفت الساق بالساق " الامر العظيم بالامر العظيم وقال مجاهد بلاء ببلاء وقال الحسن البصري في قوله تعالى " والتفت الساق بالساق " هما ساقاك إذا التفتا وفي رواية عنه ماتت رجلاه فلم تحملاه وقد كان عليها جوالا وكذا قال السدي عن أبي مالك وفي رواية عن الحسن:
هو لفهما في الكفن وقال الضحاك " والتفت الساق بالساق " اجتمع عليه أمران: الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه. وقوله تعالى (إلى ربك يومئذ المساق) أي المرجع والمآب وذلك أن الروح ترفع إلى السماوات فيقول الله عز وجل ردوا عبدي إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى كما ورد في حديث البراء الطويل وقد قال الله تعالى " وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين " وقوله جل وعلا (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى) هذا إخبار عن الكافر الذي كان في الدار الدنيا مكذبا للحق بقلبه متوليا عن العمل بقالبه فلا خير فيه باطنا ولا ظاهرا ولهذا قال تعالى " فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى " أي جذلانا أشرا بطرا كسلانا لا همة له ولا عمل كما قال تعالى " وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين " وقال تعالى " إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور - أي يرجع - بلى إن ربه كان به بصيرا " قال الضحاك عن ابن عباس " ثم ذهب إلى أهله يتمطى " أي يختال وقال قتادة وزيد بن أسلم يتبختر.
قال الله تعالى (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى) وهذا تهديد ووعيد أكيد من الله تعالى للكافر به المتبختر في مشيه أي يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك كما يقال في المثل هذا على سبيل التهكم والتهديد كقوله تعالى " ذق إنك أنت العزيز الكريم " وكقوله تعالى (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون) وكقوله تعالى (فاعبدوا ما شئتم من دونه) وكقوله جل جلاله (اعملوا ما شئتم) إلى غير ذلك. وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان الواسطي حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي عن إسرائيل عن