يخبر تعالى عن يوم الفصل وهو يوم القيامة أنه مؤقت بأجل معدود لا يزاد عليه ولا ينقص منه ولا يعلم وقته على التعيين إلا الله عز وجل كما قال تعالى " وما نؤخره إلا لأجل معدود " " يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا " قال مجاهد زمرا زمرا قال ابن جرير يعني تأتي كل أمة مع رسولها كقوله تعالى " يوم ندعو كل أناس بإمامهم " وقال البخاري " يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا " حدثنا محمد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بين النفختين أربعون " قالوا أربعون يوما؟ قال " أبيت " قال أربعون شهرا؟ قال " أبيت " قالوا أربعون سنة؟ قال " أبيت " قال " ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الانسان شئ إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة " وفتحت السماء فكانت (أبوابا) أي طرقا ومسالك لنزول الملائكة (وسيرت الجبال فكانت سرابا) كقوله تعالى " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب " وكقوله تعالى " وتكون الجبال كالعهن المنفوش " وقال ههنا " فكانت سرابا " أي يخيل إلى الناظر أنها شئ وليست بشئ بعد هذا تذهب بالكلية فلا عين ولا أثر كما قال تعالى " ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا " وقال تعالى (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة) وقوله تعالى (إن جهنم كانت مرصادا) أي مرصدة معدة (للطاغين) وهم المردة العصاة المخالفون للرسل (مآبا) أي مرجعا ومتقلبا ومصيرا ونزلا وقال الحسن وقتادة في قوله تعالى " إن جهنم كانت مرصادا " يعني أنه لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز بالنار فإن كان معه جواز نجا وإلا احتبس وقال سفيان الثوري عليها ثلاث قناطر.
وقوله تعالى (لابثين فيها أحقابا) أي ماكثين فيها أحقابا وهي جمع حقب وهو المدة من الزمان وقد اختلفوا في مقداره فقال ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن سفيان الثوري عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل؟ قال نجده ثمانين سنة كل سنة اثنا عشر شهرا كل شهر ثلاثون يوما كل يوم ألف سنة وهكذا روي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وسعيد بن جبير وعمرو بن ميمون والحسن وقتادة والربيع بن أنس والضحاك وعن الحسن والسدي أيضا سبعون سنة كذلك وعن عبد الله بن عمرو: الحقب أربعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون رواهما ابن أبي حاتم وقال بشير بن كعب ذكر لي أن الحقب الواحد ثلثمائة سنة كل سنة اثني عشر شهرا كل سنة ثلثمائة وستون يوما كل يوم منها كألف سنة رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ثم قال ابن أبي حاتم ذكر عن عمرو بن علي بن أبي بكر الا سعدي حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى " لابثين فيها أحقابا " قال فالحقب شهر الشهر ثلاثون يوما والسنة اثنا عشر شهرا والسنة ثلثمائة وستون يوما كل يوم منها ألف سنة مما تعدون فالحقب ثلاثون ألف ألف سنة وهذا حديث منكر جدا والقاسم هو والراوي عنه وهو جعفر بن الزبير كلاهما متروك وقال البزار حدثنا محمد بن مرداس حدثنا سليمان بن مسلم أبو العلاء قال: سألت سليمان التيمي هل يخرج من النار أحد؟ فقال حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " والله لا يخرج من النار أحد حتى يمكث فيها أحقابا قال والحقب بضع وثمانون سنة كل سنة ثلثمائة وستون يوما مما تعدون ثم قال سليمان بن مسلم بصري مشهور وقال السدي " لابثين فيها أحقابا " سبعمائة حقبة كل حقب سبعون سنة كل سنة ثلثمائة وستون يوما كل يوم كألف سنة مما تعدون وقد قال مقاتل بن حيان أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا " وقال خالد بن معدان هذه الآية وقوله تعالى " إلا ما شاء ربك " في أهل التوحيد رواهما ابن جرير ثم قال ويحتمل أن يكون قوله تعالى " لابثين فيها أحقابا " متعلقا بقوله تعالى " لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا " ثم يحدث الله لهم بعد ذلك عذابا من شكل آخر ونوع آخر ثم قال والصحيح أنها لا انقضاء لها كما قال قتادة والربيع بن أنس وقد قال قبل ذلك حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي